حوار استراتيجى مصرى أمريكى غير مجدٍ

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 26 يونيو 2015 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة

من المنتظر أن تشهد القاهرة قبل نهاية الشهر القادم جلسات «الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى» الذى يجمع مسئولين كبار من الدولتين لمناقشة ملفات العلاقات المتنوعة اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا. إلا أن نظرة سريعة على سجل وتغير نمط العلاقات الثنائية بين الدوليين خلال العامين الأخيرين، تجعل منه حدثا غير ذى أهمية، وقد يؤدى الحوار الاستراتيجى لتعميق حجم الخلافات بين إدارة الرئيس أوباما ونظام حكم الرئيس السيسى بدلا من تضييقها.

***

تشير الرؤية التقليدية التى حكمت علاقات الدولتين لعقود طويلة، وعلى ما يبدو أنها مازالت مسيطرة على تصورات الكثيرين من مسئولى الدولتين، إلى نمطين أظهرت تطورات السنوات الأربع الأخيرة عدم صلاحيتهما. التصور الأول ينظر للعلاقات التى تجمع القاهرة بواشنطن إلى أنها علاقات تجمع بين دولة عظمى ذات نفوذ كبير فى الشرق الأوسط، وتمتلك مفاتيح البوابة الملكية للجماعة الدولية السياسية والمالية من ناحية، وبين دولة إقليمية رائدة لها وزن كبير مؤثر فى مختلف قضايا المنطقة سواء فى شمال أفريقيا أو منطقة الخليج العربى والهلال الخصيب، من ناحية أخرى.

التصور الثانى يتعلق برؤية تختزل العلاقات فى معادلة «مساعدات أمريكية مقابل تعاون مصرى»، حيث لعبت القاهرة دورا محددا فى محيطها الإقليمى يخدم المصالح الأمريكية مقابل تلقيها مساعدات عسكرية واقتصادية زادت على 75 مليار دولار حتى اليوم. وتمنح المعادلة كذلك واشنطن مزايا لوجستية مهمة، منها استخدام الأجواء المصرية وتسهيلات عبور قناة السويس.
ولم يعد التصوران التقليديان صالحين لتأسيس علاقات خاصة بين الدولتين، فما نراه بوضوح اليوم فى محيط أزمات الشرق الأوسط يؤكد أن واشنطن لم تعد تتمتع بنفس السطوة والقوة التى اعتقد العرب ومصر أنها تملكها. ونظرة سريعة على طبيعة الأزمات الاقليمية المهمة كفيلة بإظهار حدود القوة الأمريكية ونفوذها سواء فى سوريا أو العراق أو اليمن. أما ملف الصراع العربى الإسرائيلى فهو مغلق تماما رغم تبنى واشنطن له خلال السنوات الأخيرة. ومن ناحية أخرى فليس سرا ما نشهده من تقزم دور وأهمية مصر، وما صاحبه ذلك من تسليمها راية الريادة والمكانة الاقليمية طوعا للسعودية، وكرها لتركيا، وأحيانا أخرى للإمارات أو قطر.

وتعتقد واشنطن أن حصول الجيوش على أسلحة أمريكية يضمن لها قدرا مناسبا من التأثير المباشر وغير المباشر فى شئون تلك الدول. إلا أن خبرة علاقات الدولتين منذ ثورة 25 يناير أكدت لواشنطن ضعف نفوذها المباشر وغير المباشر على مسارات الحكم فى مصر، كما لم يكن لتجميد المساعدات العسكرية المقدمة لمصر لأكثر من عام ونصف العام أثرا يذكر فيما يتعلق باستخدام الأجواء المصرية وتسهيلات عبور قناة السويس من قبل واشنطن.

***

تشهد علاقات الدولتين حالة جمود كبيرة فى هياكلها على الرغم من وقوع أحداث تبدو دراماتيكية فى طبيعتها. فقد قررت إدارة أوباما قبل شهور معاودة تقديم مساعداتها العسكرية لمصر، وأنهت تجميد شحن 12 طائرة مقاتلة إف16 و20 من صواريخ هاربوون وقطع غيار 125 دبابة من طراز M1A1. كما تسلمت مصر أخيرا قطع عسكرية مهمة للغاية لسلاح البحرية المصرية. إلا أن واشنطن بادرت بإنهاء السماح لمصر بشراء الأسلحة بالائتمان اعتبارا من العام المالى 2018. وفى حين لم تلتق الادارة الأمريكية زوار واشنطن من قيادات جماعة الإخوان المسلمين قبل أسبوعين، خرج المتحدث الرسمى للبيت الأبيض جوش أرنست ليؤكد على عدم «وجود تغيير فى سياسة الإدارة الأمريكية فيما يتعلق الإخوان المسلمين»، مشيرا إلى أن الأمر يرجع إلى اختيار البيت الأبيض الوقت المناسب لمثل هذه المقابلات. وسبق ذلك استدعاء الخارجية المصرية للسفير الأمريكى ستيفن بيكروفت للاحتجاج على زيارة وفد الإخوان لواشنطن. ومن التطورات الأخرى المهمة الافراج عن المواطن المصرى الأمريكى محمد صلاح سلطان بعد اعتقاله لأكثر من عامين. كذلك أعلنت منذ أيام عن تسمية سفيرا لها لإسرائيل ليبدأ مهامه خلال أسابيع قليلة فى خطوة مهمة لواشنطن بعدما تم سحب السفير من تل أبيب احتجاجا على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة قبل عامين ونصف العام.

***

بالطبع تدعم واشنطن جهود مصر فى حربها على الارهاب داخل سيناء. إلا أن واشنطن تملك رؤية مختلفة هيكليا عن القاهرة عندما يتعلق الأمر بمستقبل سوريا أو ليبيا على سبيل المثال. من هنا كان الرفض الأمريكى لدعوة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى لاستصدار قرار من الأمم المتحدة يمنح تفويضا لتشكيل تحالف دولى للتدخل فى ليبيا بعد أن قصفت طائرات مصرية أهدافا لتنظيم الدولة الإسلامية هناك عقب ذبح 21 من المصريين الأبرياء ليعمق من شرخ العلاقات. وفى حين لا ترى القاهرة بديلا مناسبا لنظام بشار الأسد فى دمشق، تؤكد واشنطن أن بشار الأسد لا مكان ولا دور له فى مستقبل سوريا. كذلك تدرك واشنطن أن لجماعة الاخوان المسلمين دورا مهما فى الإطار الاقليمى الأوسع سواء فى سوريا أو ليبيا أو اليمن، وهذا ما أدركته أيضا الحكومة السعودية وترفضه القاهرة.

وعلى الرغم من وجود تحديات إقليمية واسعة، سيكون الداخل المصرى حاضرا وبشدة فى مناقشات الحوار الاستراتيجى. وجاء انتقاد إدارة أوباما فى خطاب وجهته للكونجرس الشهر الماضى لتصرفات الحكومة المصرية، وإقرارها بالتعثر تجاه إقرار الديمقراطية فى البلاد واعتقالها آلاف المعارضين السياسيين وقمع الحريات والإخفاق فى محاسبة قوى الأمن فى البلاد على ما ترتكبه من انتهاكات ليظهر حجم الاختلافات بخصوص الداخل المصرى، إلا أن الخطاب تتضمن أيضا تأكيدات على أهمية مصر بالنسبة للأمن القومى الأمريكى.

***

سيغادر الرئيس أوباما منصبه بعد أقل من عام ونصف العام، وستنشغل واشنطن بالانتخابات الرئاسية، كما لا يبدو أن هناك نيه لدى الحكومة المصرية لتخفيف حدة عدائها للمعارضة السياسية سواء كانت إسلامية أوغيرها. من هنا لن يكون «الحوار الاستراتيجى» فرصة لتعزيز العلاقات، بل على العكس مناسبة للتذكير بحجم الخلافات وربما تعميقها، خاصة بعدما لم تعد القاهرة تمتلك نفوذا مؤثرا فى قضايا الشرق الأوسط الملتهبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved