ليس بتغيير المناهج فقط نقيل عثرة التعليم

صلاح ابو الفضل
صلاح ابو الفضل

آخر تحديث: الجمعة 26 يونيو 2015 - 11:15 ص بتوقيت القاهرة

تكونت حديثا من مصريين داخل وخارج الوطن مجموعة تدعو لاعتبار التعليم ضرورة أمن قومى فى مواجهة التخلف الحضارى الحالى فكريا واجتماعيا ودينيا.

فعلى المستوى الفكرى: نعانى جميعا من تدنى مستوى الحوار المجتمعى، وندرة الرؤى المتماسكة لمستقبل البلاد وانتشار أصحاب الرؤى السطحية والانتهازيين فى وسائل الإعلام وانتاج الفكر والفن، وقد بلغت ضحالة الفنون والثقافة حدا مزريا يثير الشفقة بعد أن كانت مصر رائدة فى الفكر والفنون وحركة الترجمة.

أما على المستوى الاجتماعى فالشكوى تزداد فى كل المجالات بسبب النقص الحاد فى العمالة الماهرة والخبرات الإدارية والمهنية المختلفة وذلك لضعف وتردى العملية التعليمية برمتها وتخلفها الشديد عن ركب الحضارة وبعدها عن أهداف التنمية. ولقد امتلأت البلاد بأعداد غفيرة من أنصاف المتعلمين من خريجى الجامعات يعانون من البطالة والفراغ وضيق ذات اليد ويشكلون عبئا اجتماعيا هائلا بسبب محدودية خبراتهم الفكرية والعملية. وتتجلى أزمة التعليم الصارخة فى تراجع دور المدارس والمعاهد التعليمية، ونشوء سوق تعليمية موازية فى المنازل تهدف فقط إلى اجتياز الامتحانات مما أدى إلى نشأة جيل لا يعنى بالتعلم أو اكتساب المهارات بقدر ما يعنى بالحصول على الشهادات، ثم يفاجأ بعد ذلك بطريق مسدود فى مجال الكسب والعمل بسبب تردى المستوى العلمى والخبرة العملية.

وعلى المستوى الدينى أدى ترهل المنظومة التعليمية وتراخى الحصافة الفكرية إلى تسلل أعداد كبيرة من أدعياء العلم بالدين إلى مواقع التأثير إذ وجدوا فى الأفكار القديمة الجامدة التى وضعت فى أزمنة غير زماننا وسيلة سهلة ومجدية لطلب السيطرة باسم الدين مستغلين بسطاء الناس وتردى القدرة الثقافية بين الشباب والكبار، ولقد ساعدتهم على ذلك سلطة دولة شاخت وهرمت فعجزت عن حماية المجتمع وتركت لهم الحبل على الغارب فى الإعلام وفى المساجد وفى قاعات الدرس وأخيرا فى تسميم مناهج التعليم بالتافه والمغلوط والمدسوس من تراث شبه دينى حتى امتلأت الكتب والعقول بالخرافات الدينية ولم يعد للمقومات الإيجابية للفكر الإسلامى وجود فى مناهج التدريس أو الإعلام أو الثقافة.


***

ويمكن للمدقق أن يتتبع خيط السببية فى الكوارث اليومية التى تحيق بالمصريين من حرائق وغرق عبارات وتصادم قطارات وحوادث سير إلى ذلك التردى المذهل لعملية تعليم المصريين منذ الحضانة إلى الجامعة وما بعدها. فالنظام، والتفكير المنطقى، واحترام العمل، وأداء الواجب، كلها قيم يتعلمها التلميذ الصغير من مدرسيه ومدرسته عبر رحلة بناء الجيل الجديد وهى الآن شبه غائبة فى ظل غموض رسالة التعليم.

وليسأل سائل لماذا لا يجد معظمنا الصانع الماهر الذى ينتج سلعته بنفس الجودة فى كل مرة، ولماذا يمارس كثير من الأطباء عملهم بعشوائية تنافس عشوائية المبانى. ولماذا تتكرر الأخطاء فى معظم مناحى الحياة ولا نتعلم منها، والإجابة بإيجاز هى أننا فقدنا القدرة على الانضباط عندما حولنا التعليم إلى ضرورة مظهرية وليس أسلوب حياة وتقدم.

أى تعليم وكيف نتعلم؟
ترتكز فلسفة التعليم السائدة فى مصر على التلقى والحفظ والترديد وهى فلسفة قد عفى عليها الدهر من نصف قرن. فالتعليم فى العصر الحديث يعتمد على تنمية القدرة على التعلم والبحث، وعلى اكتساب المهارات العملية أثناء تلقى العلوم النظرية. فلا تقاس مقدرة الدارس بكمية المعلومات التى يحفظها ولكن بمقدار قدرته على تحرى المعلومة والبحث عنها. لم يعد العلم مناهج تحفظ فى الدماغ بعد أن ازدادت فروعه وتسارعت وتيرة نمو المعارف فلم يعد ممكنا اختزانها كألفية ابن مالك أو صحيح البخارى أو الجدول الدورى للعناصر. وفى زمن انكمش فيه عمر المعلومة الجديدة لشهور قليلة أصبح على الطالب أن يتعلم أساسيات الموضوع المدروس لا كليته، وأن يتقن قواعد التفكير العلمى وطرائق البحث فى الكتب والمراجع والإنترنت، وبذلك يمكنه تعلم النماذج التى تفيده من الموضوع والاستزادة منها كلما دعت الحاجة، ويكتسب فى نفس الوقت المهارات التطبيقية المرادفة لموضوع الدرس، وبذلك أصبحت تنمية الخبرة العملية شرطا لاستمرار الدراسة النظرية. بهذا تبنى الأمم أجيالا قادرة على صنع المستقبل لا جيوشا من العاطلين يشكلون عبئا على الحاضر ولا مستقبل لهم.

لهذا ليست المشكلة فقط فى تطوير المناهج وهى بلا شك مهمة فى غاية الخطورة بعد أن تم تسريب الخرافات والحقائق المزيفة إلى مناهج التعليم، وتم تفريغها من وسائل اكتساب المعرفة والقدرة على التساؤل والقدرة على التفكير النقدى. نحن لا شك نحتاج مناهج جديدة، لكننا نحتاج بجانب ذلك لمناخ جديد ينقل المنظومة التعليمية إلى آفاق القدرة على التعلم واكتساب الخبرة ويتطلب هذا أن نربط التعليم النظرى بالخبرة العملية ويتطلب أيضا أن نزود المعلم الجديد برؤية عصرية وتدريب متطور.

ولو نظرنا إلى المنظومة التعليمية فى البلدان المتقدمة لوجدنا انها تتميز بالتنوع، وبالارتباط بالبيئة ومناطق الانتاج. لم يعد مسار التعليم خطيا، ابتدائى ثم إعدادى ثم ثانوى فجامعى، بل أصبح غالبية الشباب ينتقلون فى مرحلة من المراحل فى نهاية الإعدادى أو الثانوى إلى دراسات فنية فى المصانع والمزارع والمعامل ووحدات الإنتاج المختلفة، ثم يتلقون أثناء العمل جرعات جديدة من التعليم ويصل كثيرون منهم إلى درجات علمية متنوعة ويبتكر البعض بل ويخترع فى جو من العمل والتعلم والتطور.

***

نحن إذن نحتاج لخطة شجاعة تستثمر فى الإنسان المصرى الذى هو الثروة الحقيقية لها الوطن:

• لتحويل نصف التعليم العام إلى تعليم فنى يربط المدارس الفنية بوحدات الانتاج للعمل والتدريب والكسب، وقد جاء إنشاء وزارة التدريب الفنى خطوة مشجعة فى هذا الاتجاه.

• تطوير التعليم الجامعى ليستوعب احتياجات التعليم العالى لخريجى المعاهد الفنية ليستمروا فى الترقى وتحصيل درجات أعلى.

• تغيير المناهج فى إطار منظومة تعليم جديدة ترتبط بالبيئة واحتياجات المجتمع وثقافته.
• تطوير المعلم المصرى والارتفاع بشأنه وبثقافته.

• تشكيل مجلس قومى يضع ملامح المنظومة التعليمية الجديدة، فلسفتها، هيكلها، ومكوناتها.

• خطة للتمويل تعتمد الموارد الذاتية وجهود المصريين وترحب بالإبداعات والمساعدات الخارجية.

والموضوع يحتاج لمزيد من إعمال الفكر ولحوار مخلص وبناء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved