جبهة الإنقاذ: كيف صعدت ولماذا انهارت؟

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأحد 26 يونيو 2016 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

بأى قياس فقدت (٣٠) يونيو زخمها الذى صاحبها قبل ثلاث سنوات.

هناك من يعزو التراجع الذى لا يمكن إنكاره إلى تفكك «كتلة ٣٠ يونيو» غير أن القصة أكثر تعقيدا من تلخيصها فى كلام بلا قوام سياسى مقنع.

ما المقصود بالكتلة؟، وما أطرافها الرئيسية؟، كيف التقت ولماذا انفصلت؟

تلك أسئلة ضرورية حتى لا يفلت الكلام من أى منطق.

تعبير الكتلة نفسه لا يتسق مع حجم التظاهرات التى لا مثيل لها فى التاريخ المصرى.

عندما نتحدث عن عشرات الملايين التى خرجت للشوارع يصعب الحديث عن كتلة أو جبهة بقدر ما يصح الحديث عن قوة الإرادة العامة فى طلب التغيير.

مثل هذه الأحداث الكبرى تحتاج إلى «كتلة حرجة» لكنها لا تلخص فيها.

الكتلة الحرجة تعبير عن خلل موازين القوى بصورة تفضى إلى قلب المعادلات جذريا.

حركة المجتمع الفوارة بأثر ثورته فى «يناير» هى التى وفرت الكتلة الحرجة التى جرت وراءها كل قوة ضاربة فى المجتمع من طبقة وسطى مدينية بمستوى اطلاعها على عصرها إلى جماعات الشباب والمثقفين والإعلاميين والسياسيين.

نظرة واحدة إلى مواضع التظاهرات تكشف الخسارة الفادحة التى منيت بها الجماعة فى المناطق الحضرية الأكثر تقدما وتعليما بمعايير التنمية البشرية.

وقد تحملت جماعات الشباب المسيس القسط الأوفر من فاتورة المواجهات مع ميليشيات الجماعة دون أن تجنى شيئا فى نهاية المطاف.

كان اعتصام المثقفين قبل يونيو مباشرة إشارة قاطعة على أن كل شىء قد انتهى.

فى العادة لا يتفق المثقفون على رأى لكنهم إذا ما أجمعوا فإن التاريخ يتغير.

لم يخطط أحد لبناء كتلة حرجة تستقطب الرأى العام خلفها، توازن جماعة الإخوان المسلمين وتطيح بها بعد عام واحد من تقلدها سلطة الرئاسة.

لقد فشلت كل محاولات بناء جبهة واسعة تضم القوى والأحزاب المدنية فى خضم «ثورة يناير» والانتخابات النيابية التى لحقتها.

كانت هناك منازعات فى الشوارع، وصدامات على صورة المستقبل بعد صعود الجماعة، غير أنها لم تأخذ طابعها الصفرى إلا بعد الإعلان الدستورى فى نوفمبر (٢٠١٢).

بموجب الإعلان الدستورى خول الرئيس الأسبق «محمد مرسى» نفسه دون أدنى حق صلاحيات مطلقة تخالف ما انتخب على أساسه.

كانت تلك نقطة الفراق التى لا لقاء بعدها.

تحت الصدمة أعلنت مجموعة من الأحزاب والشخصيات السياسية عن «جبهة إنقاذ وطنى» تتصدى لانتهاك القيم الدستورية والديمقراطية وتمنع التحول إلى دولة دينية تخاصم ما تطلعت إليه ثورة «يناير».

بتداعى الحوادث اكتسبت «جبهة الإنقاذ» صفة العباءة الوطنية الواسعة التى تبلورت حولها كتلة التغيير الحرجة وتحركت تظاهرات الغضب.

كل ما كان يتحرك غاضبا فى الشارع وجد فيها المظلة السياسية التى يقف تحتها.

قوة الجبهة تبدت فى فكرتها كإطار وطنى جامع لا فى بنيانها التنظيمى، فلم يكن هناك بنيان تنظيمى يعتد به.

بحكم التكوين الداخلى كادت عوامل التنافر تغلب ضرورات التوحد فى مرات عديدة.

لم تكن هناك جبهة متماسكة، لا على مستوى البرامج والرؤى، ولا على مستوى البناء الداخلى، ولا على مستوى التفاهمات بين أقطابها.

بمعنى آخر لم تكن هناك جبهة حقيقية.

الذى أبقى عليها قوة الرهان العام.

لم يكن هناك أحد مستعد أن يتحمل أمام مجتمعه مسئولية تفكيك الإطار الجبهوى المدنى فى لحظة خطرة من التاريخ.

ولا كان أحد من عامة الناس مستعدا أن يتسامح مع مثل هذا الاحتمال.

كانت تلك فرصة نادرة فى التاريخ للانتقال بـ«الجبهة» من ضرورات اللحظة إلى رؤى المستقبل وأن تستعيد فى عصور جديدة تجربة ثورة (١٩١٩).

لم يكن «الوفد» حزبا تقليديا بقدر ما كان غطاء سياسيا للوطنية المصرية فى عالم ما بعد الحرب العالمية الاولي ونداءات حق تقرير المصير.

بذات القدر كانت أمام الجبهة فرصة مماثلة لإثبات جدارتها بمهام طلب التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وهو صلب ما دعت إليه (٣٠) يونيو غير أنها أهدرت بفداحة.

رغم هشاشة بنيانها التنظيمى إلا أنها عبرت فى صلب قدرتها على تجاوز أزماتها الداخلية عن قوة حضور الرأى العام الذى رأى فيها حاجته لغطاء سياسى يتحرك تحته.

أفلت المعنى الكبير بالحسابات الصغيرة.

كانت قمة المأساة انهيار «جبهة الإنقاذ» فى لحظة إمساكها بمقاليد أول حكومة بعد (٣٠) يونيو.

لم تجتمع الجبهة مرة واحدة للبحث فى ترتيبات السلطة الجديدة، ولا فى صورة المستقبل وخياراته الرئيسية، ولا أدارت أى نقاش داخلى بشأن الدستور ولجنته التى ضمت عددا كبيرا من الأحزاب والقوى المنضوية فيها.

ورغم أن منسقها العام الدكتور «محمد البرادعى» تولى منصب نائب رئيس الجمهورية للشئون الدولية وقاد عمليا جانبا كبيرا من تشكيل الحكومة الجديدة التى ضمت بالإضافة إلى رئيسها الدكتور «حازم الببلاوى» نحو تسعة وزراء آخرين، إلا أنه لم يحدث أى تنسيق من أى نوع وبأية درجة على أساس الانتماء لجبهة واحدة.

بدا كل شىء مفككا على نحو ينذر بإخلاء المجال العام من أية قوة سياسية كبيرة قادرة على إلهام الرأى العام وقيادته.

بعض أطراف الجبهة قالت إن دورها انتهى فى لحظة إطاحة الجماعة من السلطة.

بمعنى أنها نشأت لهدف تحقق ولم يعد هناك مبرر لوجودها.

وبعض أطرافها الأخرى تصورت أن فى تفكيكها انتصارا للثورة وتخلصا من أعباء الشخصيات المحافظة داخلها.

وبعض أطرافها الثالثة رأت أن الوقت قد حان للتخلص من «الشبان المزعجين» وحيازة دور أكبر فى مؤسسات الدولة بعد إزاحة الجماعة.

الرهانات كلها أثبتت فشلها الذريع، وأدت النتائج إلى ضرب صميم مشروع (٣٠) يونيو.

علت أصوات ادعت أنها قادت الثورة الثانية، ولم يكن ممكنا لها أن تقترب من أسوار حزب الوفد، حيث اجتماعات «جبهة الإنقاذ» التى احتضنت كل القوى الفاعلة.

اصطنعت نفس الأصوات تناقضا بين «يناير» و«يونيو»، شهرت بالأولى كأنها «مؤامرة» وحاولت اغتيال شخصية كل من شارك فيها.

اصطناع التناقض أفقد «يونيو» جذر شرعيتها.

بتفكيك «جبهة الإنقاذ» أصبح الطريق خاليا لكل ادعاء ينسب فعل الثورة إلى خيالاته وإفساح المجال لكل من يطلب تصفية الحساب مع «يناير».

كانت تلك الخطيئة الأولى فى قصة ما جرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved