أردوغان.. مخترع «المعارك المصيرية»

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الأربعاء 26 يونيو 2019 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة درج مقالا للكاتب «حسين جمو» جاء فيه ما يلى:

تحولت المدينة التى سجل فيها الرئيس التركى، أعظم انتصاراته، منذ 25 عاما وبشكل متواصل، إلى ساحة لهزيمته الكبرى.

فى منتصف عام 2014 بدأ رجب طيب أردوغان فى تغيير شامل لاستراتيجية حزب العدالة والتنمية. بدأها على المستوى الداخلى بالتخلى التدريجى عن مفاوضات السلام التى كانت قد أثمرت، قبل عام من هذا التحول، عن وقفٍ لإطلاق النار، وانسحاب مقاتلى حزب العمال الكردستانى من معظم مناطق انتشارهم داخل تركيا. عملية السلام حينها بدأت برسالة من زعيم الكردستانى، عبدالله أوجلان، وتمت قراءتها فى جميع نقاط الاحتفال بعيد النوروز 2013.

يمكن توثيق لحظة انهيار عملية السلام فى التصريح الذى أطلقه أردوغان خريف عام 2014 حين توقع «سقوط كوبانى خلال 24 ساعة». كان التصريح احتفاءً وليس تحذيرا، والتيار الكردى المنخرط فى السلام قرأ هذا الموقف.
حين جاء موعد الانتخابات البرلمانية فى 7 يونيو 2015، حشد حزب الشعوب الديمقراطى أكبر حملة، وحقق انتصارا تاريخيا بدخوله البرلمان ــ كحزب ــ للمرة الأولى. فى السابق كان الوصول للبرلمان أو البلديات يكون عبر مرشحين مستقلين. استفاد حزب الشعوب من فترة السلام القصيرة التى دامت نحو عامين، واستطاع توسيع قاعدته الانتخابية حتى باتت تهدد مشروع التتريك التاريخى للدولة التركية. فالحزب بات يقف على أسوار ولايات غرب نهر الفرات، وكانت قبل مائة عام ذات غالبية لغوية كردية، لكن باتت لاحقا، تحت تأثير الهندسة الاجتماعية غير المعلنة، تركيّة. وهناك ما ساهم أكثر فى تهشيم عملية السلام، وهو رفض صلاح الدين دميرتاش، الدخول فى تحالف مع أردوغان بخصوص النظام الرئاسى، وهو المشروع الذى ــ لسبب غير مفهوم كما فى أمثلة أخرى ــ اعتبره أردوغان معركة مصيرية. فى معجم السياسات اليومية أحال أردوغان الكثير من الخطط العادية إلى معارك وجودية له ولحزبه، فانتصر فى النظام الرئاسى، ولاحق حزب الشعوب، وأطلق حربا فى مدن كردية عديدة، ودمر معظمها، وتهجر نحو نصف مليون شخص من ثلاث مناطق (ديار بكر ــ جزير ــ نصيبين).

بهذه الصورة انتهت عملية السلام بين الكردستانى والدولة التركية.

***
ولأن أردوغان اعتبر النظام الرئاسى، ولأسباب غير مفهومة فى علم السياسة، معركة وجود، فإنه احتاج إلى حليف يستند إلى أصواته، فوجد ضالته فى حزب الحركة القومية، ومعا خاضا كل استحقاق انتخابى منذ ذلك الحين تحت اسم «تحالف الشعب» (جمهور اتفاق). وحزب الحركة القومية «حزب تأزيمى» تاريخيا، بيئته المثلى «الاستقطاب الحاد»، سواء قوميا، ضد الكرد، أو طائفيا، ضد العلويين. وتحت وطأة هذا التحالف بات الخطاب القومى التصعيدى، داخليا، والذى هو منهج الحركة القومية، جزءا يرافق تصريحات أردوغان وقيادات حزبه. باتت السياسة الكردية للدولة هى سياسة حزب الحركة القومية. ولم يسبق أن حقق الأخير مثل هذا الاختراق فى بنية السلطة، منذ نهاية حقبة زعيمه التاريخى ألب أرسلان توركيش، فى سبيعينات وثمانينيات القرن الماضى.

حين حدثت المحاولة الانقلابية فى 15 يوليو 2016، هيّأ الإجماع الحزبى الرافض بشدة للانقلاب، حين بدا أنه نجح، أرضية لتوافق سياسى عريض ينهى حقبة الاستقطاب السابقة. إلا أن أردوغان، اعتبر تطهير البلاد من الإرهابيين (جماعة فتح الله كولن وحزب العمال الكردستانى وحزب الشعوب)، معركة وجودية أيضا، رغم أن حماية الحياة السياسية، معركة جميع الأحزاب، وليس فقط لحزب العدالة وحليفه الحزب القومى.

تحت وطأة هذه المعركة، جرى اعتقال صلاح الدين دميرتاش، وثلاثة آلاف من كوادر حزبه. وتم فصل أكثر من 150 ألف مواطن تركى من وظائفهم وتسريح آلاف الضباط وإغلاق مئات المؤسسات.

***
حين وصل الزمن إلى الانتخابات البلدية، فى 31 مارس الماضى، قرر أردوغان، لأسباب غير مفهومة سياسيا أيضا، أنها معركة وجودية. لم يسبق أن حظيت الانتخابات البلدية بالأهمية التى نالتها فى الدورة الأخيرة. فالبلدية تمثل الجانب غير السياسى من الدولة. وحين كان أردوغان يدير بلدية اسطنبول من عامى 1994 إلى 2002، لم تكن الأحزاب السياسية ترى فى الأمر تهديدا وجوديا فى موقعه ذاك.

حين خسر مرشح العدالة والتنمية، بنعلى يلدريم، فى اسطنبول، أطلق أردوغان تصريحه الغريب الآخر: من يفوز باسطنبول يفوز بتركيا. وهذا القول غير صحيح وفقا للتجارب التاريخية للانتخابات، ما عدا فى حالة واحدة، وهى حالة أردوغان. وتجربته تحولت إلى قاعدة ومعركة وجودية أخرى أضافها إلى سلسلة حروبه، حتى كانت الهزيمة الساحقة لحزبه فى انتخابات الأحد، بفارق «مذل» من الأصوات.

بعد إعلان النتائج، لم يكن لدى أردوغان الكثير ليقوله. أما حليفه، زعيم الحركة القومية، دولت بهجلى، فسارع إلى إعلان زهده فى الانتخابات، وأن على تركيا أن تعود للحياة الطبيعية وتكف عن المزيد من الانتخابات. تصريح بهجلى يأتى فى إطار هروبه من احتمال «الانتخابات المبكرة» التى يُقال إن أردوغان سيدعو إليها فى أكتوبر المقبل، أو ربيع العام المقبل. خشية بهجلى من الانتخابات المبكرة تكمن فى أنه مدرك لصعوبة نجاح حزبه فى دخول البرلمان. فالحزب فقد الكثير من أصواته بانشقاق ميرال أكشنر وتأسيسها «الحزب الصالح». يضاف إلى ارتكاب بهجلى خطأ كارثيا، فى نظر أنصاره، حين حاول الاستفادة من رسالة أوجلان الداعية إلى الحياد فى الانتخابات. فى نظر أنصار أردوغان، بعيدا عن الإعلام الرسمى، فإن بهجلى لم يعد يسيطر على حزبه. الانتخابات المبكرة ــ فى حال تم اللجوء إليها ــ ستنهى التحالف الإسلامى القومى، والأرجح أن أردوغان يبحث عن حلفاء آخرين، ولا سبيل أمامه سوى مساعدة حزب آخر على دخول البرلمان، غير الحركة القومية، وهذا غير متوفر بسبب صغر الأحزاب خارج البرلمان، أو العودة للعمل عبر توافقات مؤقتة مع كل من حزب الشعب الجمهورى وحزب الشعوب الديمقراطى.. إلا إذا اعتبر، مرة أخرى، أن تشكيل تحالف جديد «معركة مصيرية».

النص الأصلي

http://bit.ly/2xg2Ojq

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved