بناء دولة حديثة على أساس العلم

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الأحد 26 يونيو 2022 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

من منا لا يتمنى أن تصبح مصر دولة حديثة؟! من أجل ذلك، يجب أن يتصدر المشهد علماء كل فى مجاله وليس بالطريقة العشوائية الموجودة حاليا. لابد أن تكون أدوات الدولة الحديثة هى تصدّر العلماء المتخصصين المشهد، وكل من ليس مؤهلا يجب أن يختفى من الساحة.
من أبرز التغيرات فى بداية هذا النظام أن الرئيس قرر تكوين مجموعة من كبار العلماء حضر فيها على سبيل المثال الدكتور أبوالغار، والدكتور غنيم، والدكتور عكاشة والدكتور هانى النقراشى، والدكتور مجدى يعقوب. أين جهود هذه المجموعة؟! وما هى نتائج اجتماعاتها؟! وما هى المشاريع التى طرحوها؟! وهل أُخذت فى الاعتبار؟ هذا سؤال مهم لأنه ليس لدينا علم بإنجازاتها أو مشاريعها التى توصلوا إليها. فعلى سبيل المثال، العالم العظيم هانى النقراشى الذى اقترح كيف نستفيد من الطاقة الشمسية لم يعره أحد اهتماما بمشروعه.. هناك مشروع آخر لأحد العلماء عن استبدال الحديد الصلب إلى نوع جديد من الحديد وزنه أقل وتأثيره أفضل.
لذلك يلزم لبناء الدولة الحديثة خلق مجموعة مترابطة من كل الجهات، وإعلام الآخرين بما يحدث فى مجال معين، فيجب أن يتغير مفهوم الدولة الحديثة فكرا وممارسةً ونعرف ما هى مكونات البناء.
ومفهوم الدولة الحديثة يعنى حماية مصالح الشعب والحفاظ على كرامته وحقوقه.. ومن أهم أساسيات بناء الدولة الحديثة، التداول السلمى للسلطة لأنه لا قيمة للحرية والتعبير بدون تداول سلمى للسلطة والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، إلى جانب إتاحة الفرصة للرقابة الشعبية، وأن يكون المجتمع المدنى متفاعلا مع السلطة ومتعاونا معها، والولاء يكون للأمة فقط، وأن يكون هناك مجلس استشارى به جميع العلماء المتخصصين فى شتى مناحى الحياة.. إلى جانب إعلام حر.

كذلك يجب أن يكون لكل محافظة مجلس استشارى من العلماء ويكون على رأس المحافظة شخص له اهتمامات بالإقليم الذى يحكمه وليس بالطريقة العشوائية الحادة.
هل نستطيع أن نبنى دولة حديثة بالاستعانة بهذا المفهوم؟! أعتقد أننا نستطيع فعل ذلك، فعلى سبيل المثال مع تقديرنا لبناء الطرق والكبارى ومترو الأنفاق والسكك الحديدية والمدن الجديدة وغيرها، إلا إنها مجرد مشروعات كبيرة منفصلة وقائمة بذاتها وغير مترابطة مع غيرها من المشروعات الخدمية والإنتاجية والعمرانية المتنوعة. وهذا يعتبر خطأ فى الرؤية، لأنه يجب أن يكون هناك شمول فى الرؤية. هناك فرصة ذهبية موجودة الآن فى الحوار الوطنى تستطيع أن تضع رؤية واضحة وعلمية لبناء الدولة الحديثة. نريد أن نسمع من كل الأطراف القريبة والبعيدة أفكارا جديدة لقيام دولة حديثة، هذه الأفكار يجب أن ينظر إليها، نريد تناول القضايا بعلمية ودقة معلومات وحرفية فى الأداء.
العلم والتعليم الجيد هما اللذان ينتجان أجيالا متعلمة متنورة، وملتزمة بالسلوك العلمى الذى يعتمد على الأدلة وتقبل تغير المعرفة مع ظهور إثباتات جديدة، وتجنب الأسلوب اللا عقلانى الذى يعتمد على منابع لا تلتزم بالموضوعية والملاحظة العلمية، وتتمسك بشدة بالتقاليد كمصدر مهم للمعرفة.

الفكرة الأساسية للتنوير هى تحرير العقل عن طريق المعرفة، فالتنوير يعادى التعصب ويقلل من التحيزات الشخصية المسبقة. زكى نجيب محمود يقول من أسباب تخلفنا فى الشرق هو عدم الاهتمام بالعلوم الطبيعية ومنابعها التى أدت إلى تقدم الغرب وتفوقه اقتصاديا واجتماعيا. وفى كتابه «حصاد السنين» نادى نبيل عبدالفتاح بأهمية ثقافة الأسئلة والبحث عن المعرفة والنهضة العلمية.

الاستثمار فى المعرفة يحقق أعلى الفوائد «بنجامين فرانكلين ــ الأب المؤسس للولايات المتحدة»، قال إن العلم من أهم المقومات الحضارية لأنه يتميز بقدرته على تصحيح أخطائه وحاضره أصح من ماضيه. المجتمع الذى لا يأخذ بالرؤية العلمية السائدة فى عصره يصير محسوبا على عصر سابق لا دراية له بالتقدم العلمى ويعيش منغلقا فى كهف الجهل والتخلف. المنهج العلمى يعتمد على الشك وهو أكثر أهمية من اليقين.
العلم يحرر الإنسان من أغلال الجهل والتخلف الفكرى، وهو القوة الدافعة لتقدم البشرية والحفاظ على البيئة وحمايتها من أخطاء البشر. وعلينا أن نحذّر من المعرفة الكاذبة فهى أخطر من الجهل.. «جورج برنارد شو».
لا يوجد ثروة مثل المعرفة ولا يوجد فقر مثل الجهل.. «بوذا».

هذه قواعد بناء الدولة الحديثة باجتهاد متواضع ويجب أن ينظر إليها بعناية قدر الإمكان. وأيضا فليجتهد العلماء فى طرح أفكار جديدة تتناسب مع العصر ووضعها على أجندة الحوار الوطنى الذى يستلزم وجود العلم فى كل القضايا التى سوف تطرح فيه اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا.
هذا هو الاجتهاد فى مجال بناء الدولة الحديثة، لقيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved