هيبة الدولة وتعسف السلطة فى الوراق

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 26 يوليه 2017 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

مساحة جزيرة الوراق تبلغ نحو 1860 فدانا، منها 1800 مملوكة لأهاليها بعقود مسجلة تعود إلى ما قبل بداية النصف الثانى من القرن العشرين و30 فدانا مملوكة للأوقاف ومؤجرة بأوراق رسمية وموثقة للأهالى و30 فدانا مملوكة لوزارة الزراعة وتحت حيازة الأهالى بأوراق وعقود موثقة أيضا، وذلك بحسب السجلات الرسمية التى نشرها الزميل مجدى أبو الفتوح فى جريدة الشروق.

معنى هذا الكلام أنه لم تكن هناك تعديات على «أملاك الدولة وحق الشعب»، ولم يكن هناك عدوان على «هيبة الدولة» يستوجب هذه التجريدة المسلحة التى داهمت الجزيرة كما قال الكثير من الإعلاميين الذين سارعوا إلى تبرير مداهمة الجزيرة بالجرافات وقوات الأمن لإزالة البيوت التى زعمت السلطة أنها مقامة على أملاك الدولة التى لا وجود لها فى الأوراق.

إذن ما حدث كان مجرد جس نبض لمعرفة مدى تمسك سكان جزيرة الوارق الذين يقدر عددهم بنحو 90 ألف نسمة يعملون فى الزراعة والصيد بأرضهم عندما تحين لحظة طردهم منها بدعوى تطويرها وتحويلها إلى «مانهاتن الشرق» على غرار حى مانهاتن الشهير فى مدينة نيويورك فتضم أبراجا سكنية ومطاعم وفنادق ومقار للشركات العالمية كما يتوهم المسئولون.

فهل من يتحدثون عن «مانهاتن فى قلب النيل» درسوا هذا الكلام الذى يقولونه؟ وهل يتذكر من يقول هذا الكلام ويسعى إلى تنفيذه بالقوة أن هناك «حى مال وأعمال» على مستوى عالمى يجرى بناؤه فى العاصمة الإدارية الجديدة ويحتاج إلى «تعطيش السوق» حتى يمكن تسويقه وتحقيق أقصى استفادة منه، وبالتالى لا يجب الإقدام على إقامة مشروع منافس له فى نفس الفترة الزمنية؟ وهل يتذكر من يتحدث عن «مانهاتن الشرق»، الحديث المستمرعن ضرورة تفريغ العاصمة القديمة من الأنشطة الحكومية والإدارية وضرورة نقل مقار الوزارات والشركات الكبرى إلى العاصمة الإدارية الجديدة، قبل أن يفكر فى إقامة غابة أسمنتية جديدة فى قلب النيل؟ وهل هناك بالفعل دراسة جدوى لهذا المشروع الذى يعنى القضاء على بيئة زراعية تنتج الغذاء لمئات الآلاف من سكان القاهرة وتساهم فى الحد ولو بنسبة ضئيلة من تلوث هواء العاصمة قبل الإقدام عليه؟ أم أننا سنجد أنفسنا بعد شهور قليلة أمام نسخة مكررة من تجربة العاصمة الإدارية الجديدة التى قالوا كلاما كثيرا عن حماس المستثمرين الإماراتيين والصينيين لها، ثم ظهرت الحقيقة وهى أنه يتم بناؤها بأموال الحكومة المصرية بعد ان تراجع عنها المستثمرون؟ وهل الشركات العالمية والمحلية الكبرى التى غادرت زحام «القاهرة القديمة» إلى رحابة القاهرة الجديدة والقرية الذكية على أطراف الجيزة مستعدة للعودة من جديد إلى «زنقة الوراق»؟ وهل أثرياء القوم الذين غادروا بيوتهم وشققهم الفاخرة فى جاردن سيتى والزمالك إلى ابراح «مرتفعات القطامية» و«كومبوندات زايد والشروق» يمكن أن يغريهم شىء للسكن فى «جزيرة الوراق»؟

أعتقد أن الأمر يحتاج إلى دراسة أعمق وأشمل قبل «تطهير» الوراق من سكانها البسطاء لنكتشف فى النهاية أننا أمام مشروع «فاشل» جديد ينطلق تحت لافتات براقة وترافقه زفة إعلامية صاخبة ثم يدفع الشعب النهاية ثمن هذا الفشل.

وأخيرا معظم أرض جزيرة الوراق بحكم الأوراق الرسمية ملك لأهلها ومن يريد استغلاها استثماريا عليه أن يعرض على أهلها شراء الأرض بالأسعار التى ترضيهم، وأى شىء غير ذلك لن يكون سوى «بلطجة». فتطوير الجزيرة وفقا لما هو متداول ليس أكثر من مشروع استثمارى ستستفيد منه عدة شركات عقارية مصرية وعربية ولا يدخل فى باب المنفعة العامة الذى يبرر نزع ملكية الأراضى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved