حين يبوح الأدباء
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 26 يوليه 2025 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريد الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، يتناول فيه الحوارات الأدبية حيث تمثل نافذة تكشف عن العوالم الخفية للمبدعين، وتضىء جوانب لم تكشفها نصوصهم وحدها. حين يكون المحاور ذكيا ومطلعا، تتحول المقابلة إلى رحلة ممتعة نحو ينابيع الكتابة، حيث نكتشف الحوافز التى ألهمت الروايات والشخصيات التى أثرت فى مسار الإبداع. هذه الحوارات، سواء فى كتب تجمع أصوات الأدباء العرب مثل «غواية الحكى» لهالة البدرى و«بوح المبدعين» لأسامة الرحيمى، أو فى ترجمات تفتح لنا أبواب ثقافات أخرى مثل «حرائق السؤال»، تمنح القراء متعة ومعرفة لا تقل قيمة عن قراءة الأعمال ذاتها. فهى تتيح لنا الإصغاء لصوت الكاتب.. نعرض من المقال ما يلى:
أحبّ قراءة الحوارات، المطوّلة خاصة، مع الأدباء والمبدعين عامة، وأحبّ أكثر محاوريهم الأذكياء. ليس كل من يجرون هذه الحوارات أذكياء ومطلعين كفاية على تجارب من يحاورونهم، لذلك تكون حصيلة ما يجرونه من حوارات باهتة ولا تضيف جديدا، فيما المحاور الذكى قادر على استدراج الأديب، أو المبدع، إلى فضاءات أرحب، ربما ما كان هو نفسه سيفكر فيها أو يقف عندها لولا الأسئلة التى وجهها له المحاور.
إجابات من تجرى معهم الحوارات الذكية تأخذ بأيدينا، نحن معشر القرّاء والمتلقين، إلى تفاصيل تفيدنا فى أن نفهم بصورة أفضل ما قرأناه لهم وما سنقرأه، وتقودنا إلى ما يطلق عليه ينابيع الكتابة: كيف استقى الكاتب فكرة رواية ما من رواياته؟ هل من حافز بعينه حمله على كتابة تلك الرواية بالذات؟ هل من شخصيات واقعية صادفها فى الحياة ألهمته فكرة الكتابة عنها أو حولها أو من وحيها؟ إلخ.
يحدث أن يجمع بعض من أجروا حوارات متعددة مع كتّاب ومبدعين مختلفين حواراتهم فى كتاب، فيقدّموا للقرّاء مادة ثرية، تتيح لهم تطوافا واسعا فى عوالم مختلفة وتجارب متعددة، وتعود عليهم بالإمتاع والفائدة. هذا ما فعلته الكاتبة المصرية هالة البدرى فى كتابها «غواية الحكى» الذى جمعت فيه مجموعة حوارات مع أدباء مصريين وعرب، وما فعله أسامة الرحيمى فى كتابه «بوح المبدعين» الذى فعل فيه الشىء نفسه، وغيرهما كثيرون.
ويحدث أيضا أن ينتقى مترجم نابه مجموعة حوارات مع مبدعين من بلدان وثقافات مختلفة، فيترجمها إلى لغة بنى قومه، ميّسرا لهم بانوراما ثقافية غنية، يصعب عليهم الوصول إليها لولا هذا النوع من الانتقاءات. ومثال ذلك ما فعله الكاتب اللبنانى عصام محفوظ فى كتاب «عشرون روائيا يتحدثون عن تجاربهم»، وما فعله الكاتب المغربى محمد آيت لعميم فى كتاب «كاتبٌ لا يستيقظ من الكتب» جمع فيه حوارات عميقة وثريّة مع أدباء ومفكرين ترجمها إلى العربية.
بين يدى الآن كتاب صغير الحجم عنوانه «حرائق السؤال» من ترجمة محمد صوف وأصدرته دار «أزمنة»، حوى حوارات مع أربع قامات أدبية: بورخيس، أمبرتو إيكو، روب غرييه، لورنس داريل. وعلى صغر حجم الكتاب، فإنه، هو الآخر، يتيح لنا التعرف على جوانب لا نعرفها وقد لا نكون قرأنا من قبل عن تجارب هؤلاء وعلى ألسنتهم.
فى الكتاب، قال إيكو، المشتغل أساسا بالتنظير النقدى، إنه كتب الرواية حين أراد أن يقول شيئا إضافيا لا يستطيع أن يقوله بدقة ووضوح فى الخطاب النظرى، فيما قال محاور لورنس داريل له بأن كتابته رحبة فيما حديثه مقتضب، وإن شخصيته مرحة لكن هذا المرح لا يتجلى فى أدبه. اكتفى داريل بالرد: «أعتقد أنى خجول».