الجيزة.. مدينة الزبالة....إلخ

وحيد حامد
وحيد حامد

آخر تحديث: الأربعاء 26 أغسطس 2009 - 8:42 ص بتوقيت القاهرة

 تقول الحكاية..
إن حضرة جناب الوالى خرج ذات ليلة يتفقد أحوال المدينة، فوجد أنها تعيش فى ظلام دامس حتى إن البغلة التى كان يركبها تعثرت وسقطت فى حفرة لم يدركها بصره.. وفى رواية أخرى أنها تعثرت فى مطب صناعى.. ومع سقوط البغلة سقط أيضا حملها الذى هو جناب الوالى فطارت عمامته وتدحرجت حيث استقرت فى كومة زبالة.. فظهرت صلعته ولمعت فى الظلام.. استولى عليه الغضب الشديد وهاج وماج وشتم وسب مرافقيه قائلا لهم..

ــ إيه اللى بيجرى فى البلد؟!.. فين الفوانيس؟!
قال وزيره الأول فى شجاعة:
ــ اطال الله فى عمر سيدنا الوالى.. العين بصيرة واليد قصيرة..

مفيش ميزانية..
تمهل الوالى وتملل وأصدر الفرمان المهم بصرف مائة ألف دينار تُنفق بالكامل على إنارة الشوارع والميادين.. فما كان من الوزير الأول إلا أنه ابتهج وهلل وكبر وأشاد بحكمة الوالى وبعد نظر الوالى حتى إنه وفى اندفاع وعفوية أطلق عليه لقب «والى النور»..

فى اليوم التالى بكى وزير بيت المال وهو يوقع أمرا بصرف المبلغ المطلوب وكتب التأشيرة الأثيرة لديه يصرف المبلغ بعد خصم الضرائب.. ثم تمهل لحظة وأضاف ــ والدمغات ــ فخرج المال منقوصا منذ البداية.. وعندما وصل المال إلى الوزير الأول والمعنى بالتنفيذ وجده أقل من الثمانين ألفا.. فاستدعى وزير الفوانيس وأعطاه خمسين ألفا قائلا له:

ــ تكاليف المشروع بالكامل حسب أوامر الوالى.. عاوز البلد كلها نور؟..
استدعى وزير الفوانيس وكيل ديوان الفوانيس وسلمه أربعين ألفا قائلا له.
ــ تكاليف المشروع بالكامل حسب أوامر والى النور.. عاوز البلد كلها نور..
وهكذا من وكيل ديوان الفوانيس إلى رئيس قسم التركيبات بنفس الديوان الذى حرر أمرا ملزما ونافذا نصه كالآتى:

«حسب أوامر سيدنا والى النور على صاحب أى بيت أو دكان أو عقار أن يعلق فانوسا على باب داره أو دكانه».

تذكرت هذه الحكاية التى رويتها باختصار وتصرف وأنا أرى بعينى رأسى المأساة الإنسانية التى تعيشها مدينة الجيزة وضواحيها حيث أصبحت الشوارع كلها وعلى امتدادها مقالب للزبالة.. ولا أعرف إذا كان السيد الوالى ــ أقصد المحافظ ــ يقدر حجم الكارثة أم لا؟!.. فنحن نعيش فى زمن الأوبئة التى تنتشر بفعل الهواء ومن الواضح والثابت أن ميزانية النظافة تهدر بطريقة أو بأخرى ربما تكون نفس الطريقة التى أهدرت بها ميزانية الفوانيس فى الزمن القديم. ولأن القذارة أصبحت فى كل مكان وهى لا تفرق بين شارع وآخر.. ولا تقيم وزنا أو اعتبارا لأى مبنى سواء كان مدرسة أو مستشفى أو... أو... وصولا إلى أقسام الشرطة ذاتها.. وصلنا فى هذه المحافظة المكنوبة إلى حالة الوباء الحقيقى.. وحتى أمام السفارات الأجنبية حتى صارت الزبالة هى أهم معالم هذه المدينة.

المحافظة عاجزة تماما.. ولا أمل فيها.. وشركات النظافة الأجنبية هذه أكذوبة كبيرة، وعليه فقد قررت أن أقيم دعوى قضائية بعد إثبات حالة التردى والانهيار الكامل فى محضر رسمى أطالب فيها أولا بعدم سداد الرسوم المفروضة على فواتير الكهرباء برسم النظافة.. مطالبا أهالى المحافظة المنكوبة بعدم سداد فواتير الكهرباء حتى تعود الشوارع إلى ما كانت عليه من صورة تليق بحياة البشر والاعتراف بآدميتهم من قبل السادة كبار المسئولين؟.. لقد فرضوا علينا القذارة ولا مانع لديهم من أن يفرضوا علينا الظلام.. والعتاب شديد المرارة للناس.. الناس.. أيها الناس أين أنتم؟!.. أرى الزبالة أمام بيوتكم ومحلاتكم متعددة الأغراض ألم يفكر واحد منكم فى الاعتراض والتقصد لأى سافل ويمسك به؟!.. وإذا كنا فى مجتمع يتشدق بالتقوى والصلاح والالتزام بالدين.. هل الدين.. أى دين.. يبيح هذا العدوان على الآخرين بهذه الطريقة التى تنشر البلاء بين الناس.. الرسول الكريم يقول: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة».. ألا يحب أحدكم أن يحصد صدقة من الطريق العام؟.

أما السيد الوالى.. السيد المحافظ.. فإذا كنت لا تملك الإمكانات.. فأنت على الأقل تملك سلطة إصدار القرارات.. وأنت رجل عسكرى فى الأصل وتقدر وتعرف أهمية القرار الصائب.. وحتى تتوافر لكم الإمكانات أو الحلول لماذا لا تصدر أمرا أو قرارا بتجريم هذا الفعل الذى أطاح بكيان وسمعة محافظة أنت على رأسها.. لماذا لا تلزم أى صاحب منشأة بأن يكون مسئولا عن المكان الذى يحتله وما حوله؟!

محلات وأكشاك الأرصفة التى تنشر زبالتها فى قبح وفجاجة وعهر دون أن تجد من يتصدى لها.. وهى الموجودة خطأ وبقرار خطأ.. وتمارس الخطأ..

السيد المحافظ.. إذا كنت تدرى فهذه مصيبة.. وإذا كنت لا تدرى فالمصيبة أعظم.. وإذا كنت تريد أن تدرى فأنا مستعد أن أصحبك لتتفقد أحوال مدينتك المنهارة.

فاصل ونعود..
هم رجال أفاضل.. وسيدات محترمات.. وكلهم نجوم وأعلام فى مختلف المجالات.. نحترمهم.. نحبهم.. نقدرهم.. نسعد بهم.. هؤلاء جميعا سقطوا تماما عندما جلسوا فى استسلام أمام كاميرات برامج رمضان الحوارية.. بعضهم قال كلاما فارغا تافها لا يتناسب مع شخصه وأكثرهم نهشته الذئاب الجائعة على الشاشة وكأنها مشاهد مستعارة من برامج عالم الحيوان.. أنا لا ألوم مقدمى ومقدمات هذه البرامج الكثيرة الذين تعمدوا تمزيق الضيوف بالمخالب والأظافر.. ولكنى أسأل السادة الضيوف الذين أهانوا أنفسهم عندما خضعوا لهذه الاستجوابات العدوانية، وجميعهم والحمد لله فى حالة يسر لا عسر.. وجميعهم من المشاهير.. ليه؟.. وبكام.. والنتيجة إيه؟..
رمضان كريم..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved