السباب ليس شرا كله

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأربعاء 26 أغسطس 2009 - 8:48 ص بتوقيت القاهرة

 ليس عندى دفاع عن ضيق صدر البعض بسبب الصيام. والاحتجاج به فى تبرير سرعة الانفعال وتوجيه السباب للآخرين. ولا أستطيع أن أتجاهل النص القرآنى الذى نهى عن التنابذ بالألقاب، وذلك الذى قرر أن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. وأذكّر بأن المؤمن الحق لا ينبغى له أن يكون «لعّانا» كما يقول الحديث النبوى. لكن يبدو أن بعض التعبير عن الانفعال لا يخلو من فائدة. على الأقل فهذا ما يقول به بعض علماء النفس فى الولايات المتحدة، ومنهم الطبيب النفسى تيموسى جى، الذى يقرر أن إطلاق العبارات الغاضبة، أو حتى الشتائم، التى تندفع بصورة فجائية كرد فعل يعجز المرء عن تداركه، قد يساعد فى التنفيس عن شحنات الغضب والغيظ. ومن شأن ذلك أن يقلل من الاندفاع فى الاشتباك الجسدى، بالأيدى أو بغير ذلك.

هذه الفكرة أيدها نفر من الباحثين فى كلية علم النفس بجامعة «كيل» البريطانية، الذين أجروا تجربة على طلاب الكلية، خلصوا منها إلى أن توجيه السباب يزيد من معدل ضربات القلب، ويسمح بالتعامل على نحو أفضل مع الأوضاع المزعجة، أشرف على التجربة ثلاثة من أساتذة علم النفس. هم ريتشاد استيفنز واندرو كينجستون وجون اتكينز. إذ طلبوا من 64 متطوعا أن يضعوا أيديهم فى أوعية مثلجة مرتين. مرة وهم يطلقون السباب، ومرة ثانية وهم يرددون كلمات عادية. ولاحظوا أنهم حين أطلقوا السباب كان بمقدورهم أن يبقوا على أيديهم فى المياه المثلجة فترة أطول.

أغلب الظن أنه لا علاقة لهذا البحث بنتائج المسح الذى أجرى فى بريطانيا وبيّن أن الإنجليز لا يترددون فى توجيه الشتائم إلى غيرهم فى الأماكن العامة، ولا يتحفظون فى ذلك كما يفعل أغلب الأوروبيين. وكانت صحيفة «ديلى ميل» قد نشرت نتائج ذلك المسح الذى أجرته شركة «نولون» وتبين من نتائجه أن البريطانيين يستخدمون يوميا ما معدله 14 شتيمة، وأن 87 فى المائة منهم يرددن الشتائم على أساس يومى، وأن 98 فى المائة يذكرون أنهم يتلفظون بكلمات سيئة فى حالات الغضب. أما الذين اعتبروا أن استخدام الكلمات النابية أمر سىئ فلم تتجاوز نسبتهم 8 فى المائة فقط من مجموع الذين استطلعت آراؤهم (2319 شخصا).

فى التعليق على نتائج المسح الذى أشرف عليه وليام فايندلاى قال الرجل إن البريطانيين أصبحوا شعبا شتاما واستند فى ذلك إلى أن جميع المستطلعين تقريبا لا يترددون فى توجيه الشتائم والكلمات النابية عند غضبهم.

بهذه المناسبة، قرأت تقريرا عن تجربة أمريكية للتخلص من استخدام الألفاظ النابية. فقد قررت مدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا تخصيص الأسبوع الأول من شهر مارس فى كل عام، ليكون خاليا من استخدام الألفاظ البذيئة، واستهدفت الحملة تشجيع الناس على عدم التنابذ وتداول الشتائم والألفاظ غير المهذبة خاصة بين المراهقين الذين يعتقدون أن إطلاق بعض الشتائم بصورة دارجة يجعلهم يبدون أكثر «عصرية».

وكان المشروع الذى أعلنه عمدة المدينة. ميخائيل جاسوستى، قد بدأ كفكرة صغيرة بين مجموعة من الشباب، ابتدروها كتحد فيما بينهم: أن تخلو جلساتهم ونقاشاتهم من أى ألفاظ جارحة، حتى البسيط منها الذى أوشك أن يصبح تداوله أمرا عاديا. وتوسعت الفكرة بعد ذلك ليحتضنها عمدة المدينة، التى يسكنها نحو 25 ألف نسمة.

الفكرة تطورت إلى مشروع له شعارات وصفحة إلكترونية وملصقات وقمصان كتبت عليها عبارات مثل: منتدى الرافضين للسباب وأوقفوا البذاءات. وقد وصل عدد المنضمين للحملة نحو عشرة آلاف شخص. ثم إنها تعدت حدود المدينة لتصل إلى مدينة سانت لويس بولاية ميسورى، حيث تقدم مجلس المدينة بمشروع قرار يمنع تنابذ وإطلاق الألفاظ الجارحة للشعور العام، خاصة فى البارات والمطاعم.

من جانب آخر، أشارات صحيفة «الكورنة» النمساوية، التى أوردت الخبر، إلى أن عمدة مدينة جدانسك البولندية، سبق الجميع بتشريع قانونى فرض غرامة مالية على كل من يقبض عليه متلبسا بجرم «التنابذ وتداول ألفاظ فاحشة»، ويغرمه مبلغ 50 زلوتى أو ما يعادل مبلغ 12.50 يورو، مما أشاع حالة من التهذيب، وحسن من لغة التخاطب، خاصة بأماكن التجمعات وسط المدينة. كما أضاف إلى المدينة مصدر دخل لا يمر يوم دون أن يزداد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved