ما رأيكم في السيستم؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الخميس 26 أغسطس 2010 - 9:47 ص بتوقيت القاهرة

 ما وجه الغرابة فى أن يتم تركيب 50 آلة تصوير فى المتحف، ثم تتعطل منها 43 آلة ولا يؤرق ذلك أحدا من المسئولين عنه؟ ولماذا نندهش حين نكتشف أن جميع أجهزة الإنذار المرتبطة بموقع المقتنيات واللوحات النادرة بالمتحف ذاته معطلة بدورها، دون أن ينتبه أحد إلى ذلك؟.. ذلك أن المهم من وجهة نظر البيروقراطية المصرية أن يستوفى المتحف احتياجاته من آلات التصوير ومن أجهزة الإنذار التى تفضح لصوص الأعمال الفنية والعابثين بها.

وحين يتحقق ذلك يكون المتحف قد أصبح نموذجيا من حيث الترتيب والشكل. ويكون النظام أو «السيستم» قد توافر له المنظر اللازم. أما تشغيل أجهزة التصوير أو الإنذار فتلك مسألة أخرى تتصل بالوظيفة وليس بالشكل. وعند البعض فإن الجمع بين الاثنين يبدو عبئا يثقل كاهل الموظفين المحملين بأعباء أخرى كثيرة فى البيت والمواصلات والشغل، ولذلك فإنهم يتخففون من تلك الأعمال قدر الإمكان. ومن ثم قنعوا بالشكل واطمأنوا إلى توفير الأجهزة، وارتاحت ضمائرهم لأن «السيستم» بخير.

أتحدث عن نتائج معاينة النائب العالم لمتحف محمد محمود خليل بالجيزة، فى أعقاب سرقة لوحة زهرة الخشخاش التى تعد أشهر إبداعات الفنان الراحل فان جوخ، وتقدر قيمتها السوقية بنحو 55 مليون دولار. وقد كشفت المعلومات السابق ذكرها عن المدى الذى بلغه التسيب والإهمال فى المتحف. حيث تبين أن مسئوليه دأبوا على تسويد محاضر الجرد اليومى للمقتنيات على الورق دون التأكد من وجود المقتنيات المسجلة فى دفاترهم. وهذه شهادة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود. بعدما تفقد المتحف يوم الأحد الماضى (22/8) عقب اكتشاف سرقة اللوحة النادرة.

خبر اختفاء اللوحة كان له صداه القوى فى العالم الغربى بوجه أخص. فتصدر عناوين الصحف وصدارة نشرات الأخبار. وذلك أمر مستحق لا ريب، لكننى بعد أن استوعبته فكرت فى الموضوع من زاوية أخرى إذ قلت إنه إذا كان الإهمال والتسيب قد حدثا بتلك الصورة الكارثية فى متحف كبير ومحترم فى قلب العاصمة، فكيف يكون الحال فى المرافق الأخرى التى تخدم الناس فى بقية أنحاء مصر، أشير بوجه أخص إلى حالة المستشفيات والمدارس ومكاتب الأجهزة الإدارية المختلفة، التى يتردد عليها المواطنون العاديون.

بكلام آخر فإننى لا أعتبر سلوك موظفى المتحف حالة خاصة، بمعنى أنهم ليسوا استثناء بين موظفى الحكومة. لأن حالة التسيب هذه تمثل ظاهرة عامة فى مجتمع الموظفين ــ دعك من الاستثناءات ــ الذين يعيشون فى أجواء غيبت فيها قيم العمل الجاد وتراجعت قيمة المواطن، ثم إنهم يفتقدون إلى القدوة التى تضرب المثل فى الكفاءة والمسئولية والتفانى فى خدمة الناس.

لأن اللوحة التى سرقت لفان جوخ، فقد قامت الدنيا ولم تقعد. وخلال 48 ساعة من اكتشاف الحادث كانت قد صدرت قرارات منع المسئولين المعنيين من السفر ثم حبس مجموعة منهم على رأسها وكيل أول وزارة الثقافة. لكن حين غرقت عبارة «السلام» وقتل جراء ذلك ألف مواطن مصرى، فإن قرار منع صاحب السفينة من السفر تأخر أربعين يوما، ولم يدرج على قوائم الممنوعين إلا بعد أن هرب ومعه أسرته إلى لندن!

الطريقة التى تعاملت بها الحكومة مع المصريين الذين غرقوا هى ذاتها التى تتعامل بها أجهزتها مع عامة المصريين وفقرائهم ممن لا يزالون على قيد الحياة. كما أنها لم تكترث بما جرى لضحايا العبارة. واعتبرت قضيتهم مجرد جنحة عادية، فإنها بذات القدر لم تكترث بقضاء المصالح أو العناية بالخدمات التى تقدم للأحياء. وفى كل الأحوال فإنها ظلت مطمئنة إلى أنها فوق المساءلة والحساب. وكانت ثقافة الاستعلاء على الناس وإهدار حقوقهم أحد الأسباب الرئيسية لشيوع التسيب والإهمال وغياب قيم العمل الجاد فى محيط أجهزة الدولة. وجيش الموظفين الذين يتثاءبون فى مكاتبهم هم ضحايا هذه الثقافة وإفرازها الطبيعى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved