هامش للديمقراطية ــ أولوية اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الإثنين 26 أغسطس 2013 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

نعود إلى البدايات: إذا كانت الدولة الوطنية المتماسكة وقيم الحرية والمساواة والمواطنة وسيادة القانون وتداول السلطة مقومات أساسية للديمقراطية، فإن تبلور مؤسسات اقتصاد السوق الملتزمة بالعدالة الاجتماعية واستقرار آليات عملها يعدان شرطين جوهريين لتحول المجتمعات البشرية باتجاه الديمقراطية ولإنجاح تجاربها.

والشروح فى هذا الصدد مباشرة وتأتى على مستويين. فمن جهة أولى، ليس للمواطن الباحث عن الحرية والمساواة وسيادة القانون وتداول السلطة إلا أن يطالب بتطبيق ذات القيم بشأن التنظيم الاقتصادى.

وهنا تترجم الحرية إلى المبادرة الفردية والملكية الخاصة، والمساواة إلى تكافؤ الفرص وتمكين المواطن من المشاركة فى الحياة الاقتصادية وتدخل الدول فى الحدود الدنيا لضمان حد أدنى من الكرامة الإنسانية للجميع، وسيادة القانون إلى ضمان قواعد عادلة للمنافسة ومقاومة الاحتكارات وعلاقات الاستغلال، والتداول إلى الحراك الاقتصادى صعودا وهبوطا بين قطاعات المواطنات والمواطنين المختلفة وما يستتبعه من تغير مستمر فى توزيع الثروة والمكانة الاجتماعية.

حين يتكلس التنظيم الاقتصادى فى المجتمعات البشرية ونصير مع تركيز للثروة فى يد فئات أو مجموعات ثابتة ومع هيمنة للاحتكارات وتضييق على المبادرات الفردية ومع استبعاد دائم لقطاعات سكانية بعينها من المشاركة العادلة فى الحياة الاقتصادية، يفقد كل حديث عن الديمقراطية جوهره وإن حضرت الحريات والحقوق السياسية والانتخابات النزيهة والدورية.

وفى تجارب المجتمعات البشرية ليس للحريات وللحقوق وللانتخابات هذه أن تقترب من غايتها، وهى تمكين المواطن من المشاركة الحرة والواعية فى الشأن العام وحمايته، إلا فى سياق التنظيم الاقتصادى الحر.

من جهة ثانية، يدلل الواقع المعاصر على أن التنظيم الاقتصادى الأكثر ملاءمة للديمقراطية هو الذى يمزج بين ترجمة قيم الحرية والمساواة وسيادة القانون إلى مؤسسات وآليات لاقتصاد السوق وبين وضع ضمانات للعدالة الاجتماعية. بجانب ضوابط المبادرة الفردية وتكافؤ الفرص والمنافسة ومقاومة الاحتكارات، تحتاج الديمقراطيات إلى كبح جماح اقتصاد السوق كى لا يتوحش ويتطور إلى اقتصاد للأغنياء والقادرين الذين يسحقون فى الممارسة الفعلية متوسطى الحال والفقراء وينزعون عنهم حق فى الحياة وإنسانيتهم.

وضمانات العدالة الاجتماعية تعرفها بعض الديمقراطيات بالحدود الدنيا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أى الحق فى السكن والتعليم والرعاية الصحية وإعانات الفقر والبطالة والعجز والمعاشات والتأمينات، التى يتعين على الدول عبر السياسات الضريبية وتخصيص الموارد العامة ضماناها لجميع المواطنات والمواطنين بغض النظر عن دخولهم وحظوظهم فى سوق العمل.

وبعض الديمقراطيات الأخرى، كالدول الإسكندنافية مثلا، تأخذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باتجاه الحد الأقصى عبر منظومة توزيعية متكاملة جوهرها السياسات الضريبية التصاعدية وإجراءات لدعم الحراك الاقتصادى والاجتماعى صعودا وهبوطا بحيث يعاد دوريا توزيع الثروة فى المجتمع أو على الأقل يحال دون تركزها فى يد القلة.

وفى النموذجين، الحدود الدنيا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحد الأقصى الضامن لإعادة التوزيع الدورى للثروة، يتبلور ويستقر اقتصاد سوق ملتزم بالعدالة الاجتماعية يحمى حرية المواطن فى الاختيار ويحول دون تحول الديمقراطية فى الممارسة الفعلية إلى ديمقراطية الأغنياء والقادرين فقط.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved