متاريس لصد زحف النساء

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 26 سبتمبر 2012 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

أعلنت حكومة رجال الدين فى طهران أنها قررت حرمان الطالبات الإيرانيات من دراسة أكثر من ثمانين تخصصا علميا. الجديد فى القرار هو عدد التخصصات وليس المبدأ، فالتحريم معمول به منذ أكثر من عشرين عاما. كنت أظن أن حكام إيران وغيرهم من قادة الدين السياسى قد طوروا بعض أفكارهم على ضوء ما أفرزته الثورة التكنولوجية.. ولكن خاب ظنى عند قراءة خبر زيادة عدد التخصصات المحرم على النساء تعلُّمها.

بذلت جهدا وأنفقت وقتا وأنا أجرى محاولات لفهم دوافع هذا القرار والاقتناع بمبرراته وفشلت. تصورت بداية أن عددا من البيروقراطيين المنافقين للسلطة الدينية الحاكمة توسعوا فى محتويات القرار ليكسبوا الرضا. لم أصدق أن أناسا عاقلين يديرون شئون أمة تخطو بإصرار نحو امتلاك الأسرار النووية والتقدم التكنولوجى يحرِّمون على أكثر من نصف أبناء هذه الأمة اكتساب العلم والخبرة فى هذا المجال. أم أن القرار ضربة استباقية لوقف عمليات الصعود الصاروخى للمرأة واحتلالها مواقع عمل كانت دائما مخصصة للرجال ونجاحها فيها؟

 

●●●

 

معروض حاليا فى مكتبات الولايات المتحدة كتاب للسيدة هنا روزين عنوانه «نهاية الرجال». توقعت فى البداية أن يكون الكتاب من نوع الكتب التى راجت فى وقت من الأوقات دعما لحملة تمكين المرأة ومساواتها بالرجل. اكتشفت، بعد قليل، أن الكتاب معنى بقضية، هى بالفعل تستحق منا جميعا رجالا ونساء التأمل والتروى، وبخاصة بعد ان تأكدنا ان صعود النساء أصبح حقيقة واقعة ليس فقط فى دول الغرب الصناعى، ولكن أيضا فى دول كالهند والصين ومصر ودول أمريكا اللاتينية، فضلا عن دول أفريقية حيث سبقت المرأة السمراء فيها النساء البيض فى الغرب فى الهيمنة على قطاعات عديدة من سوق العمل.

 

●●●

 

تقول روزين إن حقبة 200.000 سنة من التاريخ الإنسانى تكاد تصل إلى نهايتها. حقبة هيمن فيها الرجال إلى أن جاءت لحظة نعيشها انحسرت فيها سطوتهم وخفت قبضتهم. ففى معظم انحاء العالم تجاوز عدد الطالبات الجامعيات عدد الطلبة من الذكور ويتخرج الآن من أغلب الجامعات نساء أكثر من الرجال. ساعد فى هذا التحول الهائل تغير طبيعة الاقتصاد من اقتصاد صناعى إلى اقتصاد خدمات حيث الحاجة أشد إلى ذكاء اجتماعى وقدرات اتصالية وعبقرية صبر وتركيز، وكلها من سمات المرأة فى كل العصور، وكلها لم تكن من السمات التى اشتهر بها الرجال.

 

تقول أيضا إن حجم عمالة النساء فى أمريكا عام 2009 صار يعادل حجم عمالة الرجال، وبلغت مساهمة المرأة فى دخل الأسرة الأمريكية حوالى 42.2%، وإن ثلاث نساء يتخرجن كل عام من جامعات أمريكية مقابل رجلين. وإن لاحظت، وهى ملاحظة نجدها فى كل المجتمعات، انه بينما تقدمت المرأة فى كل قطاعات العمل متجاوزة الرجل، فانها ما زالت بعيدة تماما فى «قطاع القمة» أى القطاع الأعلى فى المجتمع، حيث السياسة والحكم. هناك عند القمة الرجال «متمترسون» فى خنادق السلطة والنفوذ، ومتحدون لمنع اختراق المرأة لصفوفهم، وهم فى هذا الشأن يقاومون بكفاءة لم تتوافر فى نشاط آخر.

 

●●●

 

إلا أن الصعود النسائى لا يخلو من تداعيات سلبية على نفسية المرأة وسعادتها. إذ هى تصعد فى وقت يزداد فيه عدد العاطلين من الرجال عن العمل، وبخاصة فى الطبقتين الوسطى والدنيا. بمعنى آخر، تصعد بينما الإحباط سائد، والاكتئاب كالوباء سريع الانتشار والعدوى.. يعرفن عن تجربة أن الرجال المحبطين سبب كاف لحياة عائلية متوترة فزوجاتهم غير مشبعات عاطفيا وأطفالهم تعساء.

 

يزيد الأمر سوءا فى مجتمعات الكساد وانتشار بطالة الذكور أن بعض الرجال يحاول تقليد النساء، عساه يقدر على منافستهن فى سوق العمل. تعددت الكتابات التى تصف هذه الظاهرة وتتابع انعكاساتها على الرجال وعلاقاتهم بالنساء وبأقرانهم من الرجال. كثيرون يتدربون على مهارات مطلوبة للعمل فى المجتمعات الطوعية والخيرية ومنظمات المجتمع المدنى حيث كان للنساء دور طليعى فى نشأتها ونموها فى أغلب المجتمعات. نرى رجالا عديدين يجربون تغيير الشكل والطباع وبعض السلوكيات.

 

●●●

 

قد لا يدرك بعض هؤلاء الرجال أن النساء المهيمنات على سوق العمل لا يحبذن «تشغيل» النساء كمرءوسات لهن، وبالتالى لن يوظفن رجالا يتمثلون بالنساء. وقد لا تدرك غالبية النساء أن المرأة إذا حاولت تقليد الرجل فى طباعه وتصرفاته، بعد ان احتلت مكانه فى العمل، فإنها تحكم على نفسها وعلى جنسها كله بالفشل. هناك تمايزات يجب أن تبقى. أعجبتنى ملاحظتها أن الرجل فى منصب الرئيس لن يكتمل نجاحه إلا بوجود سكرتيرة تنفيذية، بينما المرأة فى منصب الرئيس يمكن أن يكتمل نجاحها بدون وجود سكرتيرة تنفيذية، فكل امرأة فى داخلها سكرتيرة تنفيذية.

 

●●●

 

فاجأتنى الكاتبة بتحليلها عن علاقة الثورات بصعود المرأة فى المجتمع، تقول إن المرأة تضمن الصعود المنتظم فى ظل نظام مستقر. هى بطبيعتها لا تحب المفاجأة والتحولات التى يمكن ان تقلب خططها رأسا على عقب. لذلك شهدت الثورات، ومنها ثورات الربيع العربى، انتكاسة للمرأة حتى وإن كان لها دور كبير فى التحضير لها ووضع أهدافها ومنها هدف تمكين المرأة وتأمين صعودها.

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved