تطبيع كنسى

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 26 سبتمبر 2016 - 11:10 م بتوقيت القاهرة

«أسبوع الأحزان» هو ما يمكن إطلاقه على الأسبوع الماضى الذى شهد ابتلاع مياه البحر أجساد مئات البسطاء الفقراء منا أمام سواحل رشيد، قبل أن يتعمق الجرح بزيارة مشئومة لسفير الكيان الصهيونى ديفيد جوفرين إلى مدينة الإسكندرية وتجوله فى مكتبتها الشهيرة، بالتوازى مع حط رحاله داخل الكنيسة المرقسية فى الثغر، وهى الزيارة التى حاولت مصادر كنسية التقليل من شأنها ووصفها بغير الرسمية، والتأكيد على أنها تمت بناء على طلب السفير، وليس بترتيب من الكنيسة.

وطبقا لما قاله مصدر كنسى للزميل أحمد بدراوى (الشروق ــ السبت 24 سبتمبر 2016) فى باب تبرير الزيارة، فقد «جاءت بشكل مفاجئ وتمت داخل الكنيسة المرقسية، ولم تزد عن نصف ساعة»، لافتا إلى أن «السفارة تقدمت بعدة طلبات سابقة لمقابلة الطوائف المسيحية فى الإسكندرية، إلا أنها جميعا قوبلت بالرفض، لأن موقف الكنيسة الوطنى كان واضحا فى هذا الشأن».

طبعا ما يقصده المصدر الكنسى هو الإجماع الوطنى على رفض التطبيع مع الكيان الصهيونى، وعدم فتح ثغرات لممثليه بالنفاذ إلى العمق الشعبى فى مواجهة الاتفاقيات التى تكبل مصر الرسمية، والتى تفرض عليها، إلى حين، التعامل مع مثل تلك الوجوه الكريهة قاتلة الأطفال، وسارقة الأوطان، غير أن الكنيسة من حيث أرادت التبرير كشفت عن وقوعها للأسف فى بئر التطبيع، وخرقت حظرا كانت قد اتخذته منذ سنوات طويلة، وبات قاعدة مستقرة يحتفى بها المصريون فى كل مناسبة باعتبارها موقفا ثابتا لكنيستنا الوطنية.

لا فرق هنا أن تكون زيارة السفير الإسرائيلى للكنيسة قد تمت بناء على طلبه، أم بدعوة منها، مثلما لا فرق أن تستغرق نصف ساعة أم نصف يوم، الأمر فى دلالته الرمزية أقوى من فعل الزيارة نفسه، فقد دخل جوفرين، بيت الكنيسة والتقى أحد ممثليها، وتباهت الصحف العبرية بجولاته فى الإسكندرية، ومن بينها مبنى الكنيسة التى تحرم التطبيع على أبنائها.

فى 26 نوفمبر الماضى زار البابا تواضروس الثانى، القدس المحتلة على رأس وفد كنسى للمشاركة فى جنازة الأنبا إبراهام مطران القدس والشرق الأدنى، يومها بررت الكنيسة الزيارة بأنها لتأدية واجب دينى وإنسانى، ولا يجب تسييسها، وكتبت أنا يومها فى «الشروق» منتقدا تلك الزيارة التى وضعت «قضية التطبيع مع إسرائيل فى واجهة الجدل»، اليوم هل تستطيع الكنيسة اعتبار استقبال السفير الإسرائيلى قد تم بدوافع «إنسانية»، وإذا لم يكن اللقاء تطبيعا، بماذا يمكن أن نصفه؟!.

وهنا لن أسمح لأحد أن يفتح بابا للمزايدة على موقفى المحب للكنيسة الوطنية المصرية، لن أعطى أحدا، كائنا من كان، فرصة أن يخلط الدينى بالسياسى، فزيارة السفير الإسرائيلى إلى الكنيسة فعل سياسى بحت، ومن ثم التعامل معه، بالنقد وحتى بالهجوم، هو فى باب السياسة، التى يريد البعض إغراق الكنيسة فى بحورها العميقة، خاصة فى الشهور الأخيرة، ولعل ما جرى فى نيويورك خير شاهد ودليل.

التطبيع جريمة لن تسقط بالتقادم، وكل من يتورط فيها ستلاحقه مدى الدهر، ولا يجب أن نقع فى هذا المستنقع مهما كانت المبررات، فالثابت أننا أمام كيان غاصب للأرض، قاتل للبشر، كاره للحياة، سجله زاخر بالجرائم العنصرية، والقتل على الهوية، ولا يعرف سلاما باردا ولا حارا، هو فقط يعرف لغة القوة والسطو على مقدرات الغير.

وأخيرا.. ارفعوا أيديكم عن الكنيسة ولا تكبلوها بضغوط، تفتح بابا للشقاق الوطنى فيما هو دنيوى، بما يؤثر على هيبتها الدينية فى عيون المصريين جميعا، ولا أقول الأشقاء المسيحيين، فجر الكنيسة إلى عالم السياسة فعل محفوف بالمخاطر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved