الشخصية المصرية بعيون الأوقاف

ايمان رسلان
ايمان رسلان

آخر تحديث: السبت 26 سبتمبر 2020 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

فى معرض حديثه عن استعدادات وزارة التربية والتعليم لبداية العام الدراسى الجديد، استعرض د/طارق شوقى وزير التربية والتعليم الخطة الوزارية الجديدة قائلا: إن الوزارة بصدد تدريس منهج جديد وكتاب مستحدث للمرحلة الثانوية يحمل عنوان (الشخصية المصرية)، والكتاب المقرر تم بالتعاون مع وزارة الأوقاف.
استمعت وانتظرت أن يشرح الوزير مضمون المنهج الجديد وتفاصيله أو علاقة وزارة الأوقاف بالمنهج المستحدث، ولكنه انتقل إلى أفكار أخرى عن التكنولوجيا فى التعليم.
فأعدت الاستماع إلى حديث الوزير مرة أخرى ومحاضرته كاملة، وتأكدت أكثر من مرة أنه لم يذكر تفاصيل عن المشروع الجديد مع وزارة الأوقاف، وأنه ليس مع وزارة الثقافة أو التعليم العالى، وهما الوزارتان اللتان تضمان عددا كبيرا من مثقفى وعلماء مصر سواء فى المجلس الأعلى للثقافة أو الجامعات.
فقررت أن أبحث عن معلومات وتفاصيل لهذا الخبر الهام، لاسيما أنه لم يصدر به بيان أو توضيح بعد ذلك.
واتجهت إلى مؤشر البحث المعلوماتى على الشبكة التكنولوجية العالمية، فقادنى البحث وأمدنى بمعلومات أيضا لفروع أخرى متعلقة بالموضوع ومنها المهام الوظيفية لوزارة الأوقاف والهيئات التابعة لها.. وأوضح وكشف لى مؤشر البحث المعلوماتى العالمى عن تصريحات أخيرة وحديثة لوزير الأوقاف أثناء دورة ومسابقة ثقافية تمت من فترة وجيزة ذكر فيها تفاصيل هذا التعاون مع وزارة التعليم فى وضع الكتب الدراسية، وأكد وزير الأوقاف أن التعاون الوثيق بين وزارة التعليم والأوقاف أثمر عن إنتاج وطبع منهجين دراسيين، أحدهما بعنوان الشخصية المصرية، واصفا مضمون الكتاب الجديد بأنه على وجازته يحمل قيما ومضامين علمية ووطنية عظيمة، وأشار وزير الأوقاف إلى أهمية الكتاب الثانى بعنوان (القيم وقبول الآخر) الذى سيتم تدريسه خلال الأيام القادمة للمرحلة الابتدائية. وأكملت البحث ولم أجد إشارة لإنتاج كتب للمرحلة الإعدادية! أسوة بالمرحلتين الابتدائية والثانوية كما قال وزير التعليم.
***
ونقل لى مؤشر المعلومات التكنولوجى العالمى تلقائيا معلومات إضافية وإثرائية عن تاريخ إنشاء وزارة الأوقاف نفسها الذى يعود تاريخها إلى عام ١٨٣٥.. تأسست فى عهد محمد على، أى قبل قرنين من الزمان، وسميت فى البداية بـ«ديوان الأوقاف»، وكان الغرض من إنشائها هو التنظيم والإشراف على أملاك الوقف ــ أى المنشآت التى يتبرع بها أصحابها للنفع العام ــ وكذلك الإشراف على الأموال والتبرعات ووضع القواعد المنظمة لها. ثم تحول الديوان إلى وزارة الأوقاف عام ١٩١٣ وأسند إليها أمورا أخرى تتعلق بالدعوة الإسلامية، وكذلك الإشراف على تنظيم الجوامع وضوابط العمل بها والترخيص لها. وذكرنى مؤشر البحث التكنولوجى العالمى أيضا بأعمال الوزارة وأسماء شهيرة تولت المنصب الوزارى للأوقاف مثل د. على عبدالرازق صاحب كتاب «الإسلام وأصول الحكم» وكذلك الشيخ الباقورى وغيرهم من الأسماء اللامعة، وأن اختصاص الوزارة يمثل عملا دينيا، وماليا وقروضا حسنة، ومبانى وأملاكا، وموظفين وأئمة، وليس من ضمنها وضع مناهج وكتب تعليمية وثقافية للطلاب! حتى إن التدريس بالمعاهد الأزهرية من اختصاص مؤسسة الأزهر بشكل مستقل تماما حتى عن وزارة التعليم، فالمسئول عن التعليم بالمعاهد الأزهرية هى مؤسسة الأزهر وليس وزارة الأوقاف.
ثم نبهنى مؤشر البحث التكنولوجى العالمى أيضا إلى اسم كتاب هام عن الشخصية المصرية، فعادت بى الذاكرة إلى هذا الكتاب والذى اقترن فى العقل المصرى المعاصر بالعظيم الدكتور جمال حمدان وعنوانه «شخصية مصر» الذى طبعته دار الهلال، وكذلك بالدكتور حامد عمار، شيخ التربويين، الذى كتب عن شخصية الفهلوة المصرية، وغيرهم من الأسماء التى يشهد لها تاريخ الفكر والثقافة المصرية منذ عصر التجديد فى أيام د/أحمد لطفى السيد ود/طه حسين وإلى الآن. فقد كانت هناك ومازالت إسهامات ودراسات عميقة وعناوين لكتب هامة فى هذا الملف الهام وأغلبهم ينتمى إلى تيارات فكرية واجتماعية حديثة وليست دينية حتى وإن كانت أصول تعليمهم أزهرية!
***
فما الجديد وما المضمون الذى ستحمله الكتب الجديدة التى تتم بين وزارة التعليم بالتعاون مع وزارة الأوقاف لإصدار كتاب عن الشخصية المصرية. فهل سيتناول الكتاب وهو (تحت الطبع) الشخصية المصرية المعاصرة الحديثة فى ظل العولمة والتكنولوجيا وعالم «الأون لاين» أم سمات الشخصية المصرية التاريخية القديمة؟ أم سماتها فى عصر التحديث منذ محمد على أم الشخصية المصرية فى عصر الوطنية بعد الاحتلال وثورات المصريين؟..

للحقيقة موضوع وعنوان الكتاب هام بالفعل ويثير العقل لبداية توجه طيب من الوزارتين لتطوير التعليم، ومن هذا المنطلق أقترح أن تدعو وزارة التعليم لمؤتمر علمى وثقافى أو مائدة مستديرة متخصصة ويمكن استخدام نظام المؤتمرات عبر الفيديو، طبقا لخطة وزير التعليم للتطوير، حتى يطرح الأمر وهذه الفكرة الهامة للنقاش العام وحتى تتمكن وزارة الأوقاف من أن تشارك بالرأى والحوار أيضا، لأن فائدة فتح النقاش العام فى القضايا الاجتماعية والثقافية هو عدم استبعاد أحد، خاصة المتخصصين وأهل العلم، وسيكون ذلك بالفعل عملا تربويا عظيما، خاصة لو تم دعوة وزارة الثقافة والتعليم العالى، لأن الشخصية المصرية وسماتها قضية تخص الجميع ولاسيما أهل التخصص من المفكرين وعلماء الاجتماع وعلم النفس والتاريخ. ولا يقتصر الحسم فى منهج مقرر على وزارة بعينها، خاصة أن فائدة مثل هذه الكتب والموضوعات يمكن أن تثير خيال الطلاب الذين سيدرس لهم هذا المنهج الجديد وهم (المستهدفين من التطوير)، وتفتح بابا لحوار مطلوب مع الطلاب والأجيال الجديدة، وطرح الأسئلة عليهم مثل: هل حدث تغيرات لسمات الشخصية المصرية مثل ظواهر التنمر والعنف والتحرش والنظرة إلى المرأة؟ وكيف يرصدها الطلاب من واقع دراسة هذا المنهج الاجتماعى الثقافى الجديد؟ وملاحظاتهم ورأيهم مقارنة بواقعهم الحالى وما يدور به، خاصة أن العالم وقضاياه وأحداثه والكون كله يصل «دليفري« إلى بيتك بضغطة زر واحدة، ولأنه من الهام كذلك أن يقترن التدريس للمنهج بفتح الحوار والنقاش مع الطلاب ويكون جزءا من مهام ودور المقرر تدريسه، وليس كتابا فقط قد لا يقرأ أصلا كما فى كتب المواد الدراسية الآن.
فمثلا من المعروف أو ما تم الاتفاق عليه من أساتذة علم الاجتماع وعلم النفس أن الشخصية المصرية لها بعض السمات المشهورة والتى تراكمت بفعل التاريخ الطويل والمكان أيضا مثل سمات وصفات الذكاء والسخرية والصبر والتدين وحب الاستقرار.. بل إن الموضوع نفسه سيكون عنصرا جاذبا فى الحوار مع الطلاب والاستماع لرأيهم فى تلك السمات المشهورة تاريخيا، وأن يجرى الطلاب مثلا أبحاثا بأنفسهم حول ذلك الموضوع فيعرفوا أسماء المفكرين والتاريخ بجانب أسماء رجال الدين. وهذا يدعونا إلى التساؤل عن دور وزارة الأوقاف فى ذلك المنهج العلمى والتربوى عن الشخصية المصرية؟ هل كتبت وزارة الأوقاف الجزء الخاص بصفة التدين عند المصريين؟ ولماذا لا تشارك الكنيسة أيضا؟ إذا كان الأمر كتابا تعليميا فلماذا لا يشارك الأزهر أيضا إذا كان توجه وزارة التعليم به جزء دينى بالتعاون مع الأوقاف... خاصة أن نفس الوزارة، أى التعليم، قد قررت أيضا بالتعاون مع الأوقاف إنجاز كتاب آخر سيتم تدريسه هذا العام بعنوان (القيم وقبول الآخر) بل كرمت الطالب صاحب المقترح فى نفس الجلسة، فهل قبول الآخر يتضمن اتجاها دينيا واحدا؟ ومن أى منظور سيُتناول؟ ولماذا لا يشارك فى وضع الكتاب المفكرون والعلماء والمتخصصون وتشارك الجامعات المصرية وكذلك وزارة الثقافة ومجلسها الأعلى؟ ولماذا استبعدتهم من العمل كلمة وزير التعليم؟!
***
وفسر البعض الأمر لى بأن أمر التعاون فى تطوير التعليم قد تم لأسباب مالية ومادية، حيث انخفضت بالفعل النسبة العامة للتعليم من مخصصات موازنة الدولة كما قال وزير التعليم بنفسه أيضا فى الحوار! ولكن هل تطوير التعليم يعنى الانفراد بذلك العمل؟ وهنا يجب أن نذكر الجهد التنويرى بالفعل والذى لا ينكره أحد لوزير الأوقاف الحالى د. مختار جمعة، لكن قضايا التعليم وموضوعها ليس فى أسماء وإنما فى عمل مؤسسى وفى منهج يشارك أهل العلم والتخصص فيه، وعملا بقوله تعالى فى سورة النحل (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ). وكان يمكن أن تشارك جهات ووزارات متخصصة أخرى حتى فى ظل الموازنات المحدودة والتى انخفضت كما قال الوزير، وإن كان قد أشار أيضا إلى أن ذلك ليس مشكلة لأن الوزارة لديها خطط بديلة لتنمية مواردها الذاتية، لأن مشاركة جهات خارج وزارة التعليم فى إنتاج مثل هذين الكتابين حتى الآن تطرح عددا من الأسئلة عن علاقة ذلك بمفهوم الدولة المدنية والموجود بديباجة الدستور وبالمواطنة، وكذلك بقضية التعليم المدنى والمقابل له التعليم الدينى، والمنوط بإرساء ذلك المفهوم المدنى للدولة والتعليم هى وزارة التعليم.
وهل يقتصر دور الهيئات الدينية على مناهج التربية الدينية الإسلامية والمسيحية وليس منهج وكتاب فكرى يدرس للطلاب ويُقرر على المرحلة الابتدائية والثانوية؟.. وإن كان هناك أهمية للكتاب نفسه وعنوانه، وهو بلا شك هام، فيكون عملا تبرعيا واختياريا للطلاب لزيادة المعلومات، لأنه فى العصر الحالى، وهو عصر التخصص الدقيق جدا، يصبح من الضرورى إرساء مفهوم التخصص الدقيق واحترامه حتى يُرسخ المفهوم عند الطلاب أنفسهم لمواجهة المستقبل ويساهموا فيه وفى تطوره العلمى الدقيق والمتسارع.

صحفية متخصصة فى التعليم

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved