تناقضات السياسة الخارجية الألمانية

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الأحد 26 سبتمبر 2021 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

تزامنا مع ما يشهده الداخل الألمانى من تغييرات برحيل المستشارة أنجيلا ميركل بعد حكم دام 16 عاما، يعطى المقالان التاليان مثالا على التناقضات الموجودة فى السياسة الخارجية الألمانية تجاه منطقتى الشرق الأوسط والبلقان، بالرغم مما تدعو إليه من قيم مثل احترام حقوق الإنسان والديمقراطية.. إلخ.. نعرض منهما ما يلى.

تركز السياسة الخارجية الألمانية على القيم، وتذكر وزارة الخارجية الألمانية على صفحتها الرئيسية التزامها بالسلام والأمن، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، والالتزام بالتعددية باعتبارها المبادئ التوجيهية للسياسة الخارجية الألمانية.. إلا أن هذه القيم تتضارب مع السياسات الخارجية الفعلية لألمانيا على أرض الواقع.
•••
فى الشرق الأوسط، نشر موقع Deutsche Welle مقالا عن التناقضات التى ترتكبها السياسة الخارجية الألمانية فى تعاملها مع دول المنطقة.. تحدد ألمانيا ثلاث أولويات لها فى المنطقة، منع انتشار الأسلحة النووية فى المنطقة، تجنب تدفق اللاجئين على نطاق واسع من خلال تعزيز الاستقرار الإقليمى، استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب.. فى 2011، رحبت الحكومة الألمانية آنذاك بالاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، على الرغم ما آلت إليه تلك الحراكات من فشل وإحباط. واستقبلت ألمانيا أيضًا حوالى 770 ألف لاجئ سورى وقدمت دعمًا سريعًا وغير بيروقراطى للكثيرين. فى الوقت نفسه، عملت ألمانيا على بناء علاقات تجارية مع دول الشرق الأوسط على الرغم من سجلاتهم السيئة فى ملف حقوق الإنسان.
إلا أن تناقض مبادئ السياسة الخارجية الألمانية يظهر فى عديد من الجوانب، وأهمها مبيعات الأسلحة. فتتساءل كريستين مولر، خبيرة الشرق الأوسط فى المجلس الألمانى للعلاقات الخارجية، عن السبب وراء مبيعات الأسلحة إلى دول فى المنطقة لها دور فى تأجيج الصراعات التى يعانى منها الشرق الأوسط أو لها سجلات سيئة فى حقوق الإنسان. على سبيل المثال، فى عام 2020، أعطت الحكومة الألمانية الضوء الأخضر لصادرات أسلحة تبلغ قيمتها حوالى 1.16 مليار يورو إلى دول متورطة فى الصراع فى اليمن وليبيا. فيبدو أن ألمانيا لديها القليل من الموانع عندما يتعلق الأمر بصفقات الأسلحة مع شركاء مشكوك فيهم.
ليست سياسة الأسلحة فى برلين غير متسقة فحسب، بل إنها تتعارض أيضًا مع إرشاداتها الخاصة بصادرات المعدات العسكرية، والتى تحظر فى أوقات النزاع أو الأزمات تسليم المعدات العسكرية إلى ما يسمى بالدول الثالثة ــ التى تُعرّف على أنها ليست دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى أو الناتو.
•••
أما فى أوروبا، نشر موقع أوراسيا مقالا للكاتب زلاتكو هادجيديتش يظهر أيضا تناقض القيم الألمانية فى سياساتها الخارجية فى تعاملها مع أزمة دول البلقان. تم تعيين وزير الزراعة الألمانى السابق كريستيان شميدت كمندوب سامى جديد للبوسنة والهرسك، وهو منصب تم تأسيسه للإشراف على تنفيذ السلام وتعزيز المصالحة والتنمية. ولكن، تاريخيا، يذكر أن شميدت قد تم تعيينه لمساعدة دراغان تشوفيتش، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطى الكرواتى، على تعطيل الدستور فى البوسنة والهرسك لفصل الأراضى التى يسيطر عليها الصرب والكروات فى البوسنة و«حل الدولة» بشكل نهائى. ولعل تصريحات شميدت الأخيرة فى مؤتمر «الجمعية الألمانية الأطلسية» أكدت تمامًا هذه الادعاءات وأن دوره فى البوسنة هو العمل كحليف لتشوفيتش فى محاولات الأخير لتقسيم الدستور البوسنى.. وبالتالى يثور التساؤل حول الغرض الحقيقى لألمانيا من هذا التعيين؟!.
كانت سياسة ألمانيا تجاه البوسنة، والتى تمارس فى الغالب من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبى، قائمة على مفهوم التقسيم العرقى للبوسنة. العبارات التى يمكن أن نسمعها من حين لآخر من الاتحاد الأوروبى، حول حرمة حدود الدول فى البلقان، هى مجرد خطاب تم تكييفه مع مطالب الولايات المتحدة بالحفاظ على هذه الحدود موحدة ومستقرة. وحتى الآن، ظلت هذه الحدود على حالها ويرجع ذلك أساسًا إلى جهود الولايات المتحدة للحفاظ عليها. ومع ذلك، من مؤتمر لشبونة فى فبراير 1992 إلى يومنا هذا، كان الاتحاد الأوروبى دائمًا يقف رسميًا وراء فكرة تقسيم البوسنة والهرسك على أسس عرقية. ففى مؤتمر لشبونة، قام اللورد كارينجتون وخوسيه كوتيليرو، الممثلان الرسميان للمجموعة الأوروبية آنذاك (الاتحاد الأوروبى الآن)، برسم خرائط لحدود إقليمية جديدة قائمة على التقسيم العرقى للبوسنة والهرسك، وتم ارتكاب عدد لا يحصى من جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقى كانت محصلتها مقتل أكثر من مائة ألف شخص وطرد ما لا يقل عن مليون، كل ذلك من أجل خلق واقع مطابق تماما للحدود الموجودة فى الخرائط المرسومة.
لم تنأى ألمانيا ولا الاتحاد الأوروبى بأنفسهما أبدًا عن الفكرة التى روجا لها وفرضاها فى مؤتمر لشبونة باعتبارها «الحل الوحيد الممكن» للبوسنة، على الرغم من العواقب الوخيمة التى أعقبت ذلك. كما أن هذه الفكرة لم تتوقف أبدًا عن كونها ضرورية وحجر الزاوية فى دوائر السياسة الخارجية الخاصة بهما. تم إثبات ذلك بدليل واضح مؤخرًا وذلك عندما تم الإفراج عن ما يسمى «ورقة جانسا»، والتى تم إطلاقها قبل شهرين، وهى ورقة تدعو إلى التقسيم النهائى وحل البوسنة والهرسك. من المحتمل أن تكون مثل هذه الخطة نتاج الدوائر اليمينية القوية داخل أوروبا، مثل الاتحاد الاجتماعى المسيحى CSU بزعامة شميدت.
من المؤكد أن ألمانيا ليست المؤلف الأصلى لفكرة تقسيم البوسنة، صاحبة الفكرة هى بريطانيا العظمى والتى أعلنتها مباشرة من خلال اللورد كارينجتون فى مؤتمر لشبونة 1992. ومع ذلك، لم تُظهر ألمانيا أبدًا رغبة فى النأى بنفسها عن هذه الفكرة، ولم تفعل ذلك مع الاتحاد الأوروبى.
فى هذه العملية، يمكن للدول المجاورة، صربيا وكرواتيا، مع سياساتهما القومية المتطرفة، أن تعمل فقط كوكلاء للاتحاد الأوروبى، ومسئولين عن التنفيذ المادى لتدمير وحدة دولة البوسنة. جميع الجرائم التى ارتكبتها صربيا وكرواتيا على الأراضى البوسنية ــ من العدوان العسكرى وجرائم الحرب والتطهير العرقى والإبادة الجماعية وحتى الجهود التى استمرت 30 عامًا لتقويض سيادة البوسنة وسلامتها الإقليمية ــ حظيت دائمًا بموافقة مباشرة والدعم المطلق من دول الاتحاد الأوروبى.
كانت بريطانيا العظمى وفرنسا تقودان المبادرات لفرض التقسيم العرقى على مواطنى البوسنة والهرسك، والآن تقوم ألمانيا بدورها. وفى مثل هذا السياق، لا يمكن تفسير العدوانية المتزايدة لصربيا وكرواتيا إلا كنتيجة لنية الاتحاد الأوروبى فى إنهاء قضية البوسنة إلى الأبد، وقد وصل شميدت إلى البوسنة لتسهيل هذه العملية.
•••
يضغط المجتمع الدولى على ألمانيا لإعادة تقييم سياساتها الخارجية. بعد الانتخابات الألمانية التى ستنهى حكم أنجيلا ميركل الذى استمر 16 عاما، سيتعين على من يأتى بعدها التعامل مع الكثير من التحديات، وخاصة الولايات المتحدة، والتى تبدو أن لديها استعدادا لزيادة الضغط على برلين للعب دور أكبر على المسرح الدولى. ومن المتوقع أن تتحمل ألمانيا المزيد من المسئولية حيث يعد دورها حتى الآن ثانويا كوسيط فى الصراعات. هذا إلى جانب التحديات الوجودية غير المسبوقة فى تغير المناخ، والذى لا يمكن احتواؤه أو مكافحته إلا من خلال العمل متعدد الأطراف.

إعداد: ياسمين زرد وابتهال أحمد
النص الأصلى

https://bit.ly/39DHbgs

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved