السياحة ــ من أجل مستقبل أفضل


فكرى حسن

آخر تحديث: الإثنين 26 سبتمبر 2022 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

يواكب 27 سبتمبر من كل عام يوم السياحة العالمى. وقد اختير لهذا العام مفهوم جديد للسياحة بوصفها قاطرة للتنمية المستدامة وهو ما نادينا به من قبل فى أكتوبر 2020 على صفحات جريدة الشروق تحت عنوان «مستقبل سياحة التراث الثقافى فى مصر» كما خصصنا بالتفصيل من خلال منظمة «تراثنا المشترك» إعادة النظر فى منظومة السياحة من خلال تنفيذ اهداف التنمية المستدامة، التى ينصب عليها اهتمام الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية هذا العام كما جاء فى رسالته.
ومن هنا ومع قيادة جديدة لوزارة السياحة والآثار، نقدم طرحا لرؤية جديدة للسياحة فى اطار المتغيرات العالمية تستهدف اساسا ترسيخ مفاهيم مبتكرة للتنمية المجتمعية وزيادة الدخل القومى والمحلى للقضاء على الفقر وتوفير ما يلزم للإنفاق على التعليم والصحة كركيزة لتحقيق باقى اهداف التنمية المستدامة.
أصبحنا جميعا مدركين منذ الثمانينيات، بشكل مؤلم، للتهديدات التى يتعرض لها العالم من تجارة السلاح، ومغامرات شرسة تسعى إلى الربح على نطاق عالمى، واتساع الفجوة بين الأمم الغنية والفقيرة.
ومن حظنا أن علم الآثار يتلامس بقوة مع السياحة، وأنه لا يوجد نشاط آخر غير السياحة يجمع بين الناس من مختلف الثقافات والمعتقدات والجنسيات والجماعات العرقية والمعتقدات السياسية. ومع ذلك، فإن السياحة بأصولها التى تعود إلى عالم من الاختلافات القومية او الاختلافات الهائلة فى المكانة والثروة، وبعد أن ازدهرت خلال سنوات الوفرة والاستغلال الاستعمارى، لم تواكب رياح التغيير الاجتماعى التى جعلت عالمنا أكثر وأكثر عرضة للاضطرابات والخلل والحركات العنصرية والرجعية والضيق والاستياء. خاصة أن السياسات الاقتصادية والسياسية الموروثة قد أصبحت أيضا قوة من قوى الدمار المادى حيث نشهد التأثير المهول على مواردنا البيئية، مع تفاقم الكوارث المناخية، وتنامى الصراعات العسكرية، وانتشار الفيروسات الفاتكة.
لم نكن نعيش من قبل فى مثل هذا الوضع العصيب كنوع بشرى، كما أننا لم نمتلك من قبل مثل هذه الوسائل الفكرية والعلمية والتكنولوجية القوية للتغلب على المحن وتخطى الأزمات.
وللسياحة، بما لها من دور فى التقارب الثقافى، وكمصدر هام للدخل، القدرة على أن تنير طريقنا نحو مستقبل افضل من خلال إعادة تحديد أهدافها وآليات التنفيذ لتعزيز تضامننا، وتشكيل نماذج توضح كيفية التحول نحو مستقبل أكثر إشراقا وأفضل للبشر فى كل من البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء. الأرقام مخيفة ومروعة: فنحو ربع البشرية (24.1٪) يتكون من نحو 2 مليار شخص (1.88 مليار) فقراء يقل دخلهم اليومى عن 3.2 دولار، ويشملون نحو 1 مليار من الأطفال، ونحو مليار ونصف المليار ليس لديهم أو لديهم القليل من التعليم، ويعيش منهم نحو 750 مليون شخص فى مناطق الصراع والعنف.
لذلك، اختصت منظمة السياحة العالمية WTO، من بين أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، الإطار العالمى لإنهاء الفقر المدقع، ومكافحة عدم المساواة والظلم، ومواجهة تغير المناخ حتى عام 2030.
ويتطلب ذلك خطة تنفيذية تمكننا من تمهيد الطريق إلى التنفيذ العملى لآليات القضاء على الفقر والجوع والمرض، وتوفير السكن اللائق والمياه النظيفة والطاقة وتوفير بيئة مستدامة وصالحة للعيش تتمتع بالحيوية. وتعتمد الخطة على توفير تعليم «جيد» (ليس فقط لخلق فرص عمل وزيادة الدخل للدول والمجتمعات المحلية من خلال المساعى الاقتصادية، ولكن أيضا من أجل إطلاق القدرات الإبداعية والمبتكرة والبراعة التى يمكن أن توفر طرقا غير معروفة حتى الآن لتحويل حياتنا نحو حياة صالحة للعيش وقابلة للحياة وممتعة ومبهجة.
ومن الناحية العملية، ينبغى أن تقوم الحكومة وقطاع السياحة باختيار المواقع الأثرية والتاريخية وتزويدها بما يلزم من وسائل الشرح والتفسير لتوضيح أهمية هذه المواقع فى التواصل بين الحضارات والشعوب وهناك الكثير من الأمثلة، نذكر منها على سبيل المثال؛ وكالات خان الخليلى وما تمثله من التواصل الثقافى عبر التجارة العالمية، وآثار مدينة الإسكندرية والتواصل الحضارى مع شعوب البحر الأبيض المتوسط، وسيوة وما تدل عليه من علاقات مجتمعية مع شمال غرب افريقيا، وسيناء كمهد للديانات، ومستشفى قلاوون وما تمثله من تبادل سبل التقدم فى علوم الطب فى الشام ومصر وأوروبا، والفيوم كنموذج لنقل خبرات مصر فى إدارة المياه من خلال السدود إلى العالم اليونانى والرومانى، وهيرموبوليس ومصادر الحكمة التى نهل منها العالم بأسره، وعمارة حسن فتحى البيئية التى تتسابق دول العالم حاليا لتوظيفها فى التصدى لمشاكل الإسكان وتغير المناخ.
لطالما كان تنوعنا وسيلة لإثراء إمكاناتنا الإبداعية وقدرتنا على تجاوز الظروف المعاكسة. بالتأكيد، دون أن نتحد معا، سنضطر إلى مواجهة احتمالات الانحدار إلى أعماق أكبر فى هاوية لا إنسانية، وربما تكون نجاتنا جميعا على يد المتفوقين من الأطفال المحرومين اذا ما توفرت لهم فرص التعليم الحر والإبداع فى مناخ من الأمان والسلام والإنصاف والعدالة.
يقول «زوراب بوليكاشفيلى» Zurab Pololikashvili، الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية (UNWTO) وهو بالمناسبة مصرفى ذو خبرة واسعة خبرة فى القطاع الخاص، بما فى ذلك دوره البارز فى أحد أكبر البنوك فى جورجيا، «إن إيجاد مفهوم جديد للسياحة كواحد من القطاعات الاقتصادية الرئيسة فى العالم لن يكون سهلا». ولكننا نحتاج بالتأكيد إلى إعادة النظر بجدية، بغض النظر عن الاكتفاء والانكباب على الاكتشافات المثيرة والاحتفاليات مع أهميتها، إلى آفاق جديدة من اقتصاديات السياحة نظرا للخلل
المريع فى قطاع السياحة المصرى مقارنة ببلاد أخرى (منها تركيا، والإمارات، والمغرب، وإندونيسيا، وتايلاند، وسنغافورة، وفيتنام)، لا تمتلك ما نحظى به من تراث حضارى وطبيعى وقدرات بشرية. وحتى تنطلق مصر إلى عوالم التقدم فى الصناعات الرقمية والابتكارية لتوفير مصادر جديدة للدخل القومى، يمكن للسياحة باستثمار زهيد أن توفر فرص العمل وتضاعف من معدلات الدخل من منظور تنموى نملك كل مقوماته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved