جدران ضد الفاشية

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 27 أكتوبر 2013 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

من هو «بافلوس» الذى كُتب اسمه على جدران أثينا؟ على مبنى الجامعة العتيق بوسط العاصمة اليونانية خط أحدهم بالأحمر: «لو كنت اتخذت موقفا واضحا تجاه استهداف المهاجرين الأجانب، لما كان بافلوس قد قتل».. رؤية لأحداث أثينا الجارية تحكيها جدران المدينة التى عرفت منذ القدم برسومها، من أيام الفلاسفة العظام كأفلاطون وسقراط، مرورا بفترة الاحتلال الألمانى، ثم ديكتاتورية «نظام العقداء» أو فترة الحكم العسكرى من 1967 إلى 1974.. كان الجرافيتى دوما هو الوسيلة الأمثل لتسجيل المواقف، خاصة مع احتدام الأزمات.

•••

بافلوس فيساس (34 عاما) هو مغنى راب مناهض للفاشية تم طعنه بسكين، الشهر الماضى بأحد الضواحى غرب العاصمة، وتم القبض على المتهم الرئيسى فى الجريمة، سائق شاحنة ينتمى لحزب «الفجر الذهبى» اليمينى المتطرف الذى لمع نجمه خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة ليتحول من الهامش إلى الصدارة، ويتبوأ المركز الثالث بين الأحزاب السياسية. توالت الاتهامات لأعضاء الحزب المحسوب على النازيين الجدد، ومريديه.. بل استدعت النيابة رئيس الحزب وأربعة نواب لسماع أقوالهم. كما شهدت العديد من المدن اليونانية مظاهرات حاشدة خلال الفترة الأخيرة للتنديد بقتل الموسيقى، وتجمع حوالى عشرة آلاف شخص أمام مبنى البرلمان فى ميدان سينتاجما بأثينا، وبعضهم توجه إلى مقر الحزب، على بعد كيلومترات شمالا. والأربعاء الماضى، حسم البرلمان الأمر وقرر بأغلبية ساحقة تعليق مساعدات الدولة لحزب «الفجر الذهبى» لتورط قياديه فى أعمال عنف وجرائم إرهابية. وكان نصيبه أكثر من 870 ألف يورو من أصل 11 مليونا تقدمها الدولة لدعم الأحزاب السياسية المختلفة.

•••

أصوات سيارات الشرطة ترتفع، وسط حالة من الهرج والمرج.. يحاول بعض الباعة الجائلين الذين افترشوا الأرصفة الفرار من العساكر.. ملامحهم وبشرتهم الداكنة تفضح أصولهم التى لا تمت بصلة إلى بلاد الإغريق الواقعة بالفعل تحت وطأة سياسات التقشف الاقتصادى المفروضة عليها للنجاة من أزمة طاحنة. وقد سجلت شبكة الجمعيات المناهضة للعنصرية حوالى 300 حالة اعتداء وقعت ضد الأجانب منذ أكتوبر 2011.

أجواء التوتر لا تمنع المواطنين من الاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع والسهر على أنغام الموسيقى التقليدية. المحال التجارية بحى لابلاكا الشهير، فى محيط معبد الأكروبوليس، أغلقت أبوابها الحديدية التى غطتها رسومات الجرافيتى لتعطى انطباعا بحركة المارة والزبائن حتى لو خلت الشوارع، هذه هى السمة الغالبة على رسومات الحى التجارى ــ السياحى، ففى أثينا يرتبط الجرافيتى بشخصية الأماكن، والقانون الفضفاض يفرق بين ما يعد «أفعالا شائنة» وما يندرج تحت إطار حرية التعبير والمواطنة.

«جازى»، الحى القديم الذى ضم مصانع الغاز سابقا تحول إلى مركز للمطاعم والحانات الشبابية، وهو يحوى أطول رسومات جدارية بأثينا. أما حى «إجزاريا»، إلى جوار متحف الآثار الوطنى، فله صيت احتجاجى ذائع، لذا تتخذ رسوماته وكتاباته طابعا سياسيا مرحا.. ألوان الجرافيتى تضفى عليه روحا صاخبة، فهو معقل الفنانين ودور النشر والنشطاء اليساريين.. يترجم أحدهم ما هو مكتوب باليونانية: «الوصايا العشر لشيطان الأغنياء»، و «الليبرالية، من إله السماء إلى إله المال».

•••

لم يعد يفكر أهل أثينا، خاصة الشباب، سوى بسداد الديون والقروض التى انهالت عليهم بعد انضمامهم للاتحاد الأوروبى. وبهذا الانضمام أيضا أصبحت اليونان بوابة المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا، وهو ما لا تقدر أثينا وحدها على التعامل معه فى ظل أوضاعها الحالية. قد يكون الاتجاه العام فى أوروبا هو تفسير صعود النازيين الجدد بالأزمة الاقتصادية، وكأنه حالة يونانية فريدة، فى حين أن حزب «الفجر الذهبى» نسج علاقات وطيدة بنظرائه فى بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا، وذلك بهدف تكوين تحالفا تدريجى يشمل كل أوروبا، على حد وصف المراقبين. وهو يعتمد على تأجيج المشاعر القومية ومبدأ الاكتفاء الذاتى اقتصاديا، وتتشابه طريقة عمله مع نظيره الألمانى (حزب العمال القومى الاشتراكى الألمانى) الذى يستهدف هو الآخر الأقليات المستضعفة، ويزيد من أعمال العنف ضدها. كما يستغل غياب الدولة أو قصور أدائها فى بعض الميادين ويقوم هو بملئ الفراغ بتقديم الخدمات «الإنسانية» وتوفير بعض المواد الغذائية أو الخدمات الصحية على سبيل المثال، شأنه فى ذلك شأن العديد من الجماعات الفاشية الموجودة بالفعل والتى تتعولم وتتواصل أكثر فأكثر، بحكم العصر.

•••

عقب مقتل المغنى بافلوس فيساس، تكتلت أحزاب اليسار والنقابات فى اليونان ضد حزب النازيين الجدد، وارتفعت الشعارات «الحياة لبافلوس.. لتكن نهاية النازيين». وكتب أحد الطلاب فوق الجدار بالفرنسية «الثورة قادمة»، على بعد خطوات من البرلمان وميدان سينتاجما حيث تنتشر عادة رسومات الجرافيتى والشعارات خاصة فى فترة الانتخابات، كل حزب يتخذ لونا ويقوم فنانون بمسح جرافيتى الخصوم ليلا.. وهكذا تحسم المعارك السياسية على جدران أثينا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved