فى جامعة القاهرة

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 26 أكتوبر 2018 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

على مدى ثلاثة أيام حافلة باللقاءات والندوات والموائد المستديرة انعقد الملتقى الدولى الأول للتراث الثقافى الذى استضافته جامعة القاهرة بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة، وكان مؤتمره العلمى الذى نظمه قسم اللغة العربية وأعد له وأشرف على خروجه بصورة مشرفة يدور حول «الأدب الشعبى والدراسات البينية».
ثلاثة أيام اجتمعت فيها كوكبة من الأساتذة والباحثين والمختصين والمهتمين بالأدب الشعبى؛ من مصر والأردن والجزائر ودول أخرى، حركة دائبة لا تهدأ ولا تكل؛ أعادت إلى ذهنى ذلك النشاط الباهر الذى كانت تشهده جامعاتنا ومؤسساتنا الثقافية فى عقود ماضية.
موضوع المؤتمر عن الأدب الشعبى والدراسات البينية والآفاق المفتوحة لتداخل العلوم والمعارف والإفادة من بعضها البعض وإغناء بعضها البعض منهجيا وإجرائيا، فلم نعد الآن نحتمل رفاهية التخصص الدقيق المعزول عن بقية فروع المعرفة والعلوم الإنسانية؛ لقد صرنا بحق فى زمن الدراسات الثقافية و«البينية» بمعناها الواسع. لم يعد هناك من معنى لباحث متخصص فى علوم الاجتماع دون أن تشكل الآداب والفنون وعلوم اللغة رافدا مهما فى تكوينه العلمى والفكرى والثقافى. ولم يعد مقبولا فيما أظن أن يشتغل بالنقد الأدبى من ليس له اتصال عميق وواسع بمنهجية الدارسات التاريخية، وعلم النفس، والفن التشكيلى، والموسيقى.. إلخ.
إذن فقد انتبه صناع العقول والوجدان فى أهم جامعاتنا الحديثة (القاهرة)، وأقدم كلياتها (الآداب)، وأعرق أقسامها العلمية؛ (اللغة العربية وآدابها) الذى انبثق منه وانتشر عنه كل إشعاعات التجديد والحداثة والتحديث التى ما زالت تحارب وتواجه بقوة من طيور الظلام ودعاة الجمود والانغلاق والتطرف حتى الآن وبضراوة عنيفة!
أقول إنهم انتبهوا أخيرا إلى ضرورة الخروج من شرانق الانغلاق والتقوقع خلف أسوار الجامعة! لم يعد هذا مطلوبا الآن ولا معنى له ولا فائدة، لم يعد هناك من معنى لأن يخاطب الأكاديميون أنفسهم بحثا عن ترقية أو رئاسة قسم أو نشر محدود بل صار لزاما عليهم أن ينخرطوا فى نشاط حقيقى يشتبك مع قضايا وهموم وطنهم وأبناء شعبهم بحثا عن مستقبل أفضل.
ووجدتنى أستعيد بحماسة لافتة ما سبق أن تعلمته على يد أساتذة كبار فى هذه الجامعة، وأستعيد روح الميراث العظيم الذى حمله «قسم اللغة العربية وآدابها» الذى تشرفت بالانتساب إليه والتخرج فيه، الميراث الذهبى الذى صنعه جيل الرواد من أمثال طه حسين، وأحمد أمين، وأمين الخولى، والتفكير فى الإضافة إلى هذا الميراث ما يجعل منه حضورا متصلا من التقاليد المبدعة المبتكرة داخل الجامعة، وحضورا فاعلا من الإضافة المستمرة إلى الحياة الثقافية العامة خارج الجامعة.
ووجدتنى أثناء مشاركتى فى المائدة المستديرة حول «استلهام الأدب الشعبى فى السرد الروائى والقصصى» بصحبة أساتذتى وأصدقائى؛ كتابا ونقادا وباحثين؛ أتذكر ما قاله الدكتور جابر عصفور ذات يوم وصدق فيما قال «والبحث العلمى يجب ألا ينغلق على نفسه داخل أسوار الجامعة منعزلا عن قضايا المجتمع وأحلامه فى التقدم، وأن دراسة الأدب لا معنى لها ما لم تضع فى اعتبارها الدور الاجتماعى الذى يسهم به نقد الأدب ــ تأكيدا لدور الأدب نفسه ــ فى الارتقاء بالحياة من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية، وأن الأستاذ الجامعى الحقيقى هو من يمتد برسالته الإبداعية والتنويرية إلى خارج أسوار الجامعة، مشيعا قيم الحرية الفكرية فى المجتمع، متحديا التقاليد الجامدة بما يفتح المدار المغلق للثقافة على وعود التجديد والابتكار والتجريب».
وتواردت الخواطر واشتبكت الاستدعاءات، لكن بزغ من بينها جميعا ما قاله إدوارد سعيد فى محاضرة له بالجامعة الأمريكية؛ قال: «لا بد دوما أن ننظر للجامعة كمكان يمكن للجميع أن يتعلم فيه بحرية. لا يمكن أن يكون هناك معرفة ممنوعة، هذا لو أرادت الجامعة الحديثة أن تحافظ على مكانتها ورسالتها وسلطتها فى التعليم».
ولا بد أن أعود لتفاصيل هذا اللقاء، وما دار فيه من حوارات وأحاديث ونقاش ممتع ومبهج وحقيقى.. لعلنا نستعيد ما غاب عنا فى السنوات والعقود الماضية.. وللحديث بقية..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved