المحليات.. المحليات إلى متى؟

الأب رفيق جريش
الأب رفيق جريش

آخر تحديث: السبت 26 أكتوبر 2019 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

عادة المطر يعتبر علامة خير ورضا من السماء؛ لأنها تروى الأراضى الزراعية والحدائق وتهدى العواصف، لكن فى المدن القديمة مثل القاهرة والإسكندرية التى ترهلت فيها بعض أجزاء من البنية التحتية أصبحت نقمة، وهذا ما شاهدناه فى الأيام القليلة الماضية، وعدم وجود صرف أدى إلى إهدار مئات من المكعبات من ماء المطر ونحن فى احوج الحاجة إليها.
ساعة ونصف هى المدة التى هطلت فيها الأمطار فى القاهرة، لكنها تسببت بشلل فى الحياة العامة، وأحصت أرواح خمسة أشخاص على الأقل بينهم طفل وطفلة. حيث أدت الأمطار الشديدة التى هطلت خصوصا على مناطق شرق القاهرة إلى تكدس المياه فى العديد من الشوارع الرئيسية، ومن بينها نفقا العروبة والثورة الملاصقين للاتحادية، مقر الحكم فى مصر، ويعتبر عيبا كبيرا خاصة انه تكرر كثيرا عبر السنوات، وفى نفس الوقت هما الطريقان المؤديان إلى مطار القاهرة ما تسبّب فى غلقهما. وقد أعلنت شركة مصر للطيران مساء الثلاثاء تأخير مواعيد إقلاع طائراتها من مطار القاهرة بسبب أمطار شديدة أغلقت الطرق المؤدية إلى المطار وأدّت إلى تأخّر وصول الركاب، بعد أن انتشرت فيديوهات لصالة ركاب داخل المطار غمرت أرضيتها بمياه الأمطار لتكون فضيحة ونحن فى عرض زيارة سائح.
وقد حذرت هيئة الأرصاد الجوية وأصدرت فى بداية الاسبوع بيانات دقيقة وواضحة حذرت فيها من حالة عدم الاستقرار فى الطقس وسقوط الأمطار، وأنها ستصل إلى حد السيول فى عديد من المناطق، وأرسلتها إلى كل الجهات المعنية. ولكن هذه التحذيرات لم تجد لها صدى من المحليات أو استعدادات لرفع حالة التأهب من حيث صيانة البلاعات والمصارف الموجودة بالشوارع، ما أدى إلى ازدحام السيولة المرورية.
وكانت النتيجة مآسى إنسانية توالت لعدة ساعات، فى مشهد يدعو إلى الألم والحسرة على وضع الإدارة والتخطيط فى هذا البلد: أطفال صغار يعودون فى أتوبيس المدرسة فى المساء، بلا طعام أو شراب وطلاب جامعة يتركون المواصلات سائرين إلى بيوتهم لمدة ساعات متواصلة فى شوارع غارقة بالمياه وعجائز يسرن على قطع من الخشب، فى شوارع مُبلَّلة، فيختل توازنهن ويسقطن، وسيارات إسعاف محبوسة فى هذا الزحام، والمياه تنقطع عن مناطق بأكملها لعدة ساعات.
مَن المسئول عن هذا الكم من المعاناة؟ الحقيقة هى أن الاستعداد لمواجهة الأمطار يحتاج إلى وقت وترتيبات، أى إلى تخطيط، لتلافى هذه الأزمة المتكررة. فى العام الماضى غرقت طرق ومبانٍ ومحال، أما عن أصحاب هذه المبانى أو المحال فهم وضعوا الخطط المناسبة لتلافى هذه الكارثة، ولكن ماذا عن المحليات؟
حقيقة أن فشل المحليات أو فسادها، وعجزها عن مواجهة القليل من الأمطار ليس إلا عرضا للمرض الحقيقى الذى يهدد بسقوط الوطن وهو غياب الحكم الديمقراطى الرشيد الذى يضمن سبل المراقبة والمحاسبة لكل مسئول مهما كان مستواه حتى لا تتكرر الأخطاء ولا تتحول إلى خطايا وكوارث.
ونتذكر جيدا أن المسئولين فى المحليات والمحافظين يؤكدون فى كل وسائل الإعلام أنهم استعدوا أشد الاستعداد لاستقبال موسم الشتاء، وأنه لن تحدث أى مشكلة فى حالة سقوط الأمطار، مهما كانت كثافتها وشدتها، حيث إنهم قاموا بتجهيز الآلات والمعدات لمنع تجمع المياه، وأنه تم تسليك جميع مجارى المياه، لتصريف مياه الأمطار لدرجة أن محافظ القاهرة أجرى تجربة فى أحد شوارع القاهرة، وأطلق خرطوم مياه نحو إحدى البالوعات وسط تصوير كاميرات الصحفيين والفضائيات.
ومع الأسف الشديد لمجرد أن هطلت الأمطار، غرقت القاهرة الكبرى وأصبحت العمارات مثل الجزر وسط المياه، وكانت الشوارع فى معظم الأحياء مثل فروع الأنهار، وكانت شوارع القاهرة من أكثر الشوارع التى امتلأت بالمياه، وهنا لابد من محاسبة كل المسئولين فى المحليات والمحافظين الذين أطلقوا تصريحات وهمية للشو الإعلامى بأن كل شيء تمام، وأننا جاهزون، ومستعدون بحالة طوارئ لاستقبال موسم الشتاء، واتضح بعد ذلك أن كل هذه التصريحات، وهم فى وهم.
أطالب محاسبة كل من كذب على القيادة السياسية وعلى الشعب، وربما هى فرصة لتفعيل انتخابات المحليات حتى لا تتحمل الدولة وزر الفاسدين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved