المهمة التى ننتظرها من الجونة

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 26 أكتوبر 2021 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

أخطر ما فى المناقشات التى صاحبت أحدث دورات مهرجان الجونة السينمائى يتعلق من وجهة نظرى بتمدد الروح الرقابية وتناميها لدى شرائح وفئات لم تكن ضمن التصنيف التقليدى للقوى المحافظة دينيا واجتماعيا.
وأظهرت مواقع التواصل الاجتماعى كيف أن الهجوم على المهرجان توسع، وشمل فئات جديدة، بخلاف الفئات التى كان المهرجان يستفزها طبقيا، سواء بسبب ارتباطه بعائلة تمثل الرأسمالية المصرية بكل ما لها وما عليها أو بسبب حديث الفساتين وفيديوهات السهرات التى ينظمها رجال الأعمال، وبعض رعاة الحدث على هامش الفعاليات الفنية وعروض الأفلام.
وهذه الحفلات التى لا يحضرها أغلب ضيوف المهرجان تستفز الفئات المهمشة من غالبية الناس وتشغلهم فى نفس الوقت، حيث تصبح بين يوم وليلة هى المواد الأكثر مشاهدة لأنها تظهر الحياة الخاصة للنجوم وهى مادة جاذبة للإعلام فى العالم كله.
تحقق هذه المواد الهدف الترويجى المقصود من المهرجان لدى مصمم (البيزنس موديل) الخاص به، فهذه النوعية من ردود الأفعال كانت متوقعة ومعمولا حسابها قبل إطلاق المهرجان وتؤكد مدى النجاح الذى تحقق فى لفت الأنظار للجونة كبقعة ساحلية جاذبة، لكن ما جرى أبعد من ذلك؟
تنامت نبرة الاستفزاز والتحفظ وطالت بعض القوى التى كان من المتوقع أن تسعى للحفاظ على المهرجان ودعمه كمناسبة ثقافية وفنية كبيرة سواء لمشاهدة الأفلام أو دعم صانعيها وهذا هو الجانب غير المرئى فى غالبية المواد التى أظهرتها مواقع التواصل الاجتماعى أو شرائح صناع المحتوى.
وجاءت أزمة فيلم (ريش) فى المجال العام، لتكشف عن هذا الجانب بوضوح، فالمواد المعروضة حوله لم تظهر أى نقاش نقدى جدى يتعامل مع مضمون الفيلم، وتورط الكل فى الخناقة ولم يتم أبدا الاستماع لوجهة نظر صانعيه فى هدوء وهذه هى المهمة التى كان ينبغى على الإعلام أن يؤديها قبل اشتعال فتيل الأزمة.
تحول الفيلم إلى مرآة من مرايا الاستقطاب السياسى، فالخلاف حول الفيلم كان من الممكن أن يتحول إلى أداة لصالحه تغنى النقاش العام، لكنها كادت أن تتحول إلى وسيلة لذبح صانعه الشاب بدلا من تكريمه بعد النجاح العالمى الذى حققه، ولم يكن تسريب الفيلم إلا أداة لخلق رأى عام مضاد ووسيلة للضغط كذلك على المهرجان ولجان تحكيمه.
وهنا الأزمة الحقيقية من وجهة نظرى، فقد أظهر المهرجان خواء الإعلام المرئى والمسموع وفقر الصفحات الفنية وعجزها عن تقديم صورة أمينة لما جرى هناك، وهذه هى المسألة التى ينبغى أن نفكر فيها لأسباب أبعد بكثير من المهرجان الذى تحول إلى كيان كبير ينبغى الحفاظ عليه بدلا من التسابق على هدمه وينبغى كذلك التمسك بإدارته التى نجحت هذا النجاح الباهر فى تأكيد حضوره العام وتبقى أمامهم مسئولية تثقيفية أخرى.
يدين أبناء جيلى بتكوين ثقافتهم السينمائية ومعارفهم حولها لبرامج تلفزيونية مثل نادى السينما الذى كانت تقدمه درية شرف الدين وأوسكار لسناء منصور ولبرنامج (زووم) لسلمى الشماع وبفضل هذه البرامج التى اعتمدت على جهود معدين بحجم يوسف شرف رزق الله وأحمد صالح وعلى أبو شادى تعرفنا على آراء ورؤى سامى السلامونى وسمير فريد وخيرية البشلاوى وإيريس نظمى وغيرهم من القامات النقدية التى جذبتنا إلى هذا العالم وهيأت عقولنا لاستيعاب سحره.
وأظن أن من حق الأجيال الجديدة أن تنمى ذائقتها الفنية وتؤهل لتلقى السينما بشكل حر وحى متحرر من دوائر الاستقطاب وضغوطه.
ونعلم جميعا أن الإعلام فى حالته الراهنة ليس مستعدا لأداء هذه المهمة التى ينبغى أن تكون واحدة من مهام الدورة المقبلة للمهرجان.
وأقترح على إدارته من الآن التفكير فى إنتاج ٣ رسائل يومية تبث عبر قناته الخاصة على يوتيوب لعلها تظهر دوره الحقيقى أمام الراى العام وتظهر حيوية ما يجرى من النقاشات الجدية حول الأفلام عبر لقاءات مع صانعيها ونقادها وعندما تتحقق هذه المهمة سيكون المهرجان فاعلا رئيسيا فى حياتنا الثقافية وربما يجد الناس الإجابة عن السؤال الذى يسأله الجميع: دى الفساتين لكن فين الأفلام؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved