التمسح بالثورة فى قرارات الرئيس

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 26 نوفمبر 2012 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

شعرت بالإهانة عندما وصف البعض الإعلان الدستورى الذى أصدره الدكتور محمد مرسى يوم الخميس الماضى بأنه عمل ثورى، وبادعاء الدكتور محمد مرسى أن هذا الإعلان صدر لحماية الثورة، وعندما اندفع بعض الشباب لتأييد هذا الإعلان على اعتبار أنه الخطوة الثورية التى طال انتظارها.لشعورى بالإهانة أسباب متعددة يعود بعضها إلى فكرتى عن الثورة التى آمنت بها منذ عقود، ويعود بعضها الآخر إلى انتفاء أى طابع ثورى فيما قام به الدكتور مرسى منذ تسلمه رئاسة مصر، وإلى أن الجماعة السياسية التى ينتمى إليها قد يمكن وصفها بأنها كانت حركة معارضة حتى قيام ثورة 25 يناير، ولكن لا يمكن وصفها بحكم أدبياتها وبرامجها على أنها حركة ثورية، وأخيرا فإن الإعلان الدستورى فى حد ذاته يتنافى تماما مع الغايات النبيلة لثورة يناير.

 

●●●

 

وليسمح لى القارئ الكريم أن أبدأ بشرح فكرتى عن الثورة، وهى فكرة تتسق مع ما تدرسه علوم السياسة والاجتماع، وإن كنت أضيف لها مسحة رومانسية. فالثورة هى سلاح المظلومين الأخير لرد الظلم الواقع عليهم، وهى مجهودهم الجماعى لتحقيق تطلعاتهم المشروعة، وإذا كانت الثورة تتسم بالعنف، فهو العنف المضاد للعنف الذى وقعت تحت أسره هذه الأغلبية ردحا طويلا من الزمن، وهو عنف مفروض عليها لأن السبل السلمية لنيل تطلعاتها لم تعد تجدى ولا تلقى استجابة من الأقلية الحاكمة بالظلم وبالقهر.وأيا كان رأينا فى ثورات القرن الماضى والسنوات الأولى لهذا القرن، من الثورة المكسيكية فى بدايات القرن العشرين وانتهاء بثورة يناير فى مصر، ومرورا بالثورتين الروسية والصينية، وحتى عندما نستدعى إلى الذاكرة الثورة الفرنسية، فكلها ينطبق عليها هذا التصور. صحيح أن الثورات تلتهم أبناءها، وأن الذين يكسبونها فى نهاية المطاف ليسوا هم الشجعان الذين بدأوها، ولكنهم الدهاة الذين انتظروا اللحظة المناسبة للقفز عليها، ولكن هذا لا ينكر عنها أنها عمل جماعى يستهدف تحقيق صالح الأغلبية، فأين الإعلان الدستورى للدكتور مرسى من هذه الفكرة عن الثورة.

 

●●●

 

أجهدت ذاكرتى بحثا عن عمل ثورى واحد قام به الدكتور مرسى منذ تسلم منصبه رئيسا لمصر، فلم أجد. وإذا كانت هناك بعض التدابير المحدودة مثل تحسين كادر المعلمين فلم يكن مبادرة منه، وإنما كان استجابة اضطرارية للإضراب الذى دخل فيه آلاف من هؤلاء المدرسين. طبعا يحلو للبعض أن يصف إقصاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن قمة السلطة فى مصر بأنه عمل ثورى. وفى الحقيقة لم أبتهج كثيرا لهذا العمل، فخلفياته ليست واضحة حتى الآن، وقد كان سبب ترددى فى الابتهاج به ليس تفضيلى للحكم العسكرى، فهو نقيض الديمقراطية التى أومن بها، ولكن لأنى رأيت فيه خطوة لتعزيز سيطرة فصيل سياسى على مقاليد الدولة، وليس نهاية المكانة المتميزة لقيادة القوات المسلحة فى حكم مصر.

 

وقد اثبتت التطورات التالية صحة هذه الشكوك، فما تلاها كان هو بالفعل تمكين هذا الفصيل من السيطرة على مفاصل مهمة فى جهاز الدولة وفى الإعلام خصوصا بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة، وبما شهدناه من تغييرات فى رئاسة تحرير العديد من الصحف، ومن إغلاق فعلى لقناة تليفزيونية مؤثرة ومن تهديدات للإعلام من جانب رئيس الدولة ذاته ووزير إعلامه، فضلا على أن مسودة الدستور التى يقترحها الفصيل السياسى الذى ينتمى إليه الرئيس تقنن استقلال المؤسسة العسكرية عن أى سلطة مدنية، فهى تنص على ضرورة أن يكون وزير الدفاع من العسكريين، وألا تخضع موازنتها لرقابة السلطة التشريعية المتخبة بلا أى مبرر مقبول.

 

بل إن الرئيس مرسى عزف عن أن يقوم بعمل ولو حتى رمزى يوحى بأنه يسعى فعلا لتحقيق مصلحة الأغلبية، وذلك على عكس ما فعل سابقوه فى بداية حكمهم. فبعد اسابيع قليلة من ثورة يوليو أصدر مجلس قيادة الثورة قانون الإصلاح الزراعى، وتظاهر السادات فى مايو 1971 بإحراق تسجيلات أجهزة الأمن عن المعارضين السياسيين، واستهل حسنى مبارك عهده بإطلاق سراح السياسيين الذين اعتقلهم السادات ضمن إجراءات سبتمبر 1981 التى كانت سببا رئيسيا لاغتياله. وعد الرئيس مرسى بحل خمس مشاكل تواجه المواطنين فى حياتهم اليومية خلال مائة يوم، وما زالت المشاكل الخمس قابضة على حياة المصريين.

 

●●●

 

وليس فى افتقاد الرئيس مرسى طابعا ثوريا ما يثير الاستغراب، فهو ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهى ليست جماعة ثورية بأى من المعايير. هى بكل تأكيد كانت جماعة معارضة منذ نشأتها، ولها أفكارها التى تختلف فيها عن غيرها من الجماعات، ولكن الجماعات الثورية هى التى تطرح رؤية مستقبلية للوطن وتتمشى مع أفكار العصر، والإخوان المسلمون لا يطرحون رؤية مستقبلية، ويحنون لاستعادة الخلافة الإسلامية، ومسودة دستورهم تقيم سلطة دينية بإحالة كل ما يتعلق بالشريعة إلى هيئة كبار العلماء فى الأزهر، ولأن الشريعة من وجهة نظرهم تغطى كل شئون الحياة، فكل شئون الحياة سوف تحال إلى هيئة دينية، وذلك فضلا على نسفهم المادة الثانية بما يوردونه فى المادة 220 من صياغة هى فى جوهرها تأكيد على العودة لأحكام الشريعة غير المعروفة وغير المتفق عليها بدلا من مبادئ الشريعة موضع الإجماع.. وأخيرا فالنظام السياسى للإخوان المسلمين باستلهام فكرة ولاية الفقيه لا يتفق مع روح العصر. لا توجد دولة فى عالمنا المعاصر تحيل أمور التشريع فيها إلى هيئة دينية، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، سوى إيران والمملكة العربية السعودية، وفضلا على القيود التى يتطلع الإخوان المسلمون إلى طرحها على الملبس وأماكن الدراسة التى لا يجوز فيها الاختلاط، فإن افضل ماتوصف به رؤيتهم للحياة والمجتمع أنها رؤية محافظة، ولكنها بكل تأكيد لا تتمشى مع روح العصر الذى يجعل الفرد مسئولا عما يفعل مسئولية نهائية طالما لا ينتهك حريات الآخرين.

 

●●●

 

وأخيرا، يتناقض الإعلان الدستورى مع غايات ثورة يناير التى انطلقت رفضا للحكم المطلق. وتمهيدا لإقامة دولة القانون.الإعلان انتهاك للقسم الذى بدأ به الرئيس عهده ملتزما باحترام الدستور والقانون، فخالف الإعلان الدستورى فى 30 مارس الذى يتولى السلطة بناء عليه، كما ينتهك قانون السلطة القضائية بتحصين كل قراراته ضد الطعن عليها «بأى طريق وأمام أى جهة»، ويلغى فعالية أى حكم قد تنهى إليه المحكمة الدستورية العليا أو محكمة القضاء الإدارى فى مجلس الدولة فيما يتعلق بمجلس الشورى والجمعية التأسيسية. هل نسمى تقنين الحكم المطلق فى مصر عملا ثوريا؟ وما هو مفهوم العمل الثورى الذى يجعل البعض يصل إلى هذا الإدعاء؟

 

إن الإعلان الدستورى على هذا النحو، وهو يمنح الرئيس مرسى سلطات تجعله فوق القانون، وتحصن أعماله ضد أى مساءلة لهو سابقة لا مثيل لها فى التاريخ الدستورى لمصر، وهو النقيض لما سعت إليه ثورة الخامس والعشرين من يناير.

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved