لحظات إثيوبيا الأخيرة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 26 نوفمبر 2021 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

كثير من الحكام يعزون اقتراب دولهم من حافة التفكك والانهيار إلى «مؤامرات خارجية»، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر فى المرآة، ليعرفوا أن السبب الحقيقى لهذا المآل الذى ينتظرها، هو نتاج طبيعى لسياساتهم وقراراتهم ونهجهم الاستبدادى، الذى أدى إلى أن تشهد دولهم لحظاتها الأخيرة قبل التلاشى والزوال.

رئيس الوزراء الإثيوبى، آبى أحمد، من بين هؤلاء الحكام الذين يتحملون وزر الوصول ببلادهم إلى حافة الانهيار والتمزق، بفضل سياساته الخرقاء التى نثرت بذور الفرقة والضغينة والكراهية بين أبناء البلد الواحد، وكذلك احتكامه للسلاح وارتكابه للمجازر ضد مواطنيه المخالفين له فى الرأى والتوجه، والمعارضين لاستبداده وتشبثه بالسلطة.
صعد نجم «آبى أحمد» عندما تولى منصب رئيس الوزراء فى إثيوبيا عام 2018، وبدأ عهده بسلسلة من القرارات والسياسات الإصلاحية، استطاع من خلالها خداع الكثيرين، سواء داخل بلاده أو فى مختلف أنحاء العالم، عبر تصدير صورة مزيفة عن نفسه باعتباره زعيما مهموما بنشر المصالحة والسلام، حيث قام فور توليه مهام منصبه الجديد، بتوسيع هامش الحريات، وإطلاق سراح الكثير من المعتقلين السياسيين، وإسقاط صفة «إرهابية» عن حركات معارضة مسلحة، والترحيب بعودة قياداتها من المنفى.
كذلك منح النساء فى بلاده حقوقا لم تحصل عليها من قبل، وأسند اليها نصف الحقائب فى حكومته، وفى عهده تولت امرأة منصب وزير الدفاع للمرة الأولى، كما اتخذ خطوات جدية نحو تحقيق المصالحة بين القوميات والشعوب فى الأقاليم المختلفة فى إثيوبيا. وتوصل أيضا إلى اتفاق سلام مع إريتريا، أنهى سنوات طويلة من الصراع بين البلدين، الأمر الذى لعب دورا مهما فى حصوله على جائزة نوبل للسلام.
لم يحافظ «آبى أحمد» على انطلاقته السياسية القوية وصورته كزعيم سياسى إصلاحى أكثر من عامين اثنين، حيث سقط سريعا فى اختبار الديمقراطية، وكشف عن وجهه الحقيقى كديكتاتور أفريقى جديد، بعد رفضه إجراء الانتخابات التى كانت مقررة فى نهاية العام الماضى، بحجة عدم القدرة على تنظيمها بسبب وباء كورونا، وهو ما اعتبره زعماء المعارضة فى إثيوبيا محاولة مكشوفة ومفضوحة من جانبه لإطالة أمد حكمه بشكل غير شرعى.
لم يكتف رئيس الوزراء الإثيوبى برفضه فقط لإجراء الانتخابات، وإنما لجأ إلى إرسال قوات الجيش الفيدرالى إلى إقليم تيجراى، للتخلص من السلطات المحلية المنبثقة عن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى بعدما اتهمها بمهاجمة ثكنات للجيش فى الإقليم، ما أدى إلى وقوع مجازر وعمليات تهجير واغتصاب، فضلا عن فرض حصار خانق على مواطنى «تيجراى»، ما أدى إلى نقص حاد فى المواد الغذائية والأدوية ولقاحات الأطفال والمعدات الطبية، وفقا للكثير من التقارير التى صدرت عن الأمم المتحدة، التى حذرت من تدهور شديد فى الأوضاع الإنسانية بالإقليم الرافض لدموية «آبى أحمد».
تغير الحال فجأة، بعدما استجمع إقليم تيجراى قواه، ونظم صفوفه بالتعاون مع الكثير من الحركات الرافضة لسياسة الأرض المحروقة التى يتبعها رئيس الوزراء الإثيوبى، وبدأوا فى الزحف نحو أديس أبابا لإسقاط حكمه بقوة السلاح، ما دفعه إلى أن يصرخ قائلا: «إن البلاد تشهد لحظاتها الأخيرة وندعو لإنقاذها من الانهيار».
تجاهل العالم صرخات «آبى أحمد»، ولم يقتنع بمحاولته الادعاء بأن بلاده تتعرض لمؤامرة خارجية، بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن سياساته الدامية ضد أبناء وطنه وغروره واستبداده، السبب الرئيسى وراء انفراط عقد وحدة بلاده، واتجاهها نحو مستنقع الفوضى والانهيار والحرب الأهلية.
قصة صعود وهبوط «آبى أحمد»، تعد درسا بليغا لكل حاكم يعتقد أنه الوحيد الذى يعرف مصلحة بلاده، وأنه يحملا تفويضا إلهيا مفتوحا يستحل به دماء معارضيه أو من يختلفون معه فى الرأى والتوجه والسياسات. كذلك تعد درسا بليغا لكل حاكم يتلاعب بالدستور والقانون وفقا لمصالحه، وخدمة لاستبداده وتشبثه بالسلطة، عبر بث الفرقة والانقسام والكراهية والفتنة بين أبناء شعبه، واستخدام الآلة العسكرية لقمع المخالفين له فى الرأى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved