حجر صوان

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 26 ديسمبر 2015 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

أتابع ما يكتب الزملاء، خصوصا مقالات الرأى التى تعبر عن مواقف وتحليلات أصحابها، فأشعر أنهم وأننى مثل حجر الصوان الذى تشكل عبر الزمن من خلال ترسب مواد معدنية ذابت فى محاليل مائية بمرافقة أملاح أخرى، حتى وصلت إلى درجة الإشباع نتيجة فقدان الماء وتبخره، فتكون هذا الصخر الأملس، الصلب، الملفوف، سواء كان كبيرا أو صغيرا.
أقرأ ما تكتب إحداهن حول تعددية المجتمع السورى ولوحة الفسيفساء الرائعة التى نقشتها كالدانتيلا الرقيقة أو حول الجزيرة العربية الصغيرة التى اعتاد أهلها على قطف بلح «الرطب» وصيد السمك والتى يصل عدد سكانها إلى ستين ألفا منهم أربعة آلاف فى السجن لأسباب سياسية وطائفية بغيضة. أرى من بينهم من كان يحلم بالقومية العربية وهو يرمق العالم يتهاوى من حوله ويفهم ما يجرى أكثر من غيره بحكم خبراته المتراكمة فى مجال السياسة الدولية أو من يخشى على المستقبل القريب من بعض المبادرات التى تشبه أفعال «البلياتشو» فى سيرك ريفى، لكنه يضع على قلبه حجرا ويكتب.. يكتب فيحتك الحجر بالحجر ويأكل من ذاته، من طبقات الحجر الداخلى، ينبرى الحجر الصوان فيصبح أكثر حدة عند الحواف، ويفقد بعضا من تماسكه المعهود. تتفكك حبات منه، ولا يترك غبارا على الأصابع، وإذا وضعناه فى الماء لا تنطلق منه فقاعات، لكن ذلك لا يمنع أن يتأذى الحجر، أن يشعر بالمرارة، وأن تبلل هذه المرارة سطح الحجر يوما بعد يوم حتى يتهاوى أو تتساقط بعض أجزائه، كما تفعل رطوبة السنين فى جدران السجن.
***
يوجد حجر الصوان بألوان ودرجات مختلفة، تبعا لنسب المواد الداخلة فى تركيبه، فمنه الأسود والرمادى والرمادى المائل للبياض والبنى والبنى المائل للسواد والأحمر والأصفر.. لكنه على تنوعه يتمايز بين الأحجار والصخور الموجودة فى الطبيعة أو على الساحة، إذ استخدمه الإنسان القديم لصنع الأدوات البدائية (آلات القطع والشحذ، السكاكين، رءوس الرماح)، ما كان يعكس درجة التقدم الاجتماعى والاقتصادى على مدى مراحل التاريخ البشرى. ولا يزال الكتاب الذين يشبهون الحجر الصوان يشكلون وحدة قياس لدرجة تدنى أو تقدم المجتمعات، إذا ما قارنا أعدادهم بأبواق السلطة وأحجار التشظى والغبار الكثيرة.
***
نلوذ بمجموعة من أحجار الصوان المتراصة جنب بعضها البعض وكأنها حائط صد أو جسر صغير. نتلمس قطرات الندى على سطح حجر الصوان الذى قد يبدو قاسيا، فولاذيا، أو قد يستسلم للأفكار الحزينة.. ينشغل بالهموم، يعذبه القلق، ما ينذر بتصدع فى الجدار. مرارة الحجر التى وصفها البعض، قديما وحديثا، تسحقه سحقا، تأخذ من روحه فتذكرنا بالحبات التى تتكسر شيئا فشيئا كلما دارت عليها حجر الرحى، حتى تصبح دقيقا ناعما. قد يتم استبدال حجر بحجر، دعامة بأخرى، لكنهما ينبريان أيضا مع الوقت وبضغط من عوامل التعرية، يتشبعان بالرطوبة الضارية التى تتسرب إلى مسام الحجر الصلد. تعبنا. ونكتشف مدى التعب مع نهاية العام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved