تعديل القوانين ليس وسيلة الحد من الإرهاب

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 26 ديسمبر 2016 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

يقترب عام ٢٠١٦ من نهايته وقد عادت قضية الإرهاب إلى الصدارة بعد التصعيد الخطير الذى شهدته فى الأسابيع الأخيرة من العام وزيادة الجرائم الإرهابية ومعها الشهداء والضحايا من القوات المسلحة والشرطة والمدنيين العزل. وقد أثار تفجير الكنيسة البطرسية من أسبوعين بالذات المخاوف من أن نكون أمام نقطة تحول نحو استخدام تقنيات أكثر احترافا، ونقل النشاط الإرهابى من سيناء إلى العاصمة، والسعى إلى إشعال نار الفتنة الطائفية. 
فى ظل هذه التطورات الخطيرة والأجواء القلقة، فمن الطبيعى أن تتصاعد الأصوات داخل الدولة وخارجها ومن البرلمان والإعلام والشارع، مطالبة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع الإرهاب ومحاصرته ومعاقبة من يرتكبونه أو يدعمونه بأى شكل. والمطروح، وفقا للمنشور فى وسائل الإعلام، هو تعديل القوانين الحالية بما يؤدى إلى تشديد العقوبة على مرتكبى وداعمى الأعمال الإرهابية، وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية بحيث يشمل جرائم الارهاب، واختصار إجراءات التقاضى فى تلك الجرائم بما يمكن من سرعة البت فيها.
ولكن مع تقديرى للغضب فى المجتمع من تصاعد وتيرة الإرهاب فى الآونة الأخيرة، واتفاقى التام مع ضرورة اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمواجهته والقضاء عليه، إلا أننى أخشى ألا تكون السياسة المقترحة والتعديلات القانونية المطروحة كافية ولا مناسبة لتحقيق ذلك.
من جهة أولى فإن القوانين الحالية فيها من المواد ما يكفى لمعاقبة مرتكبى جرائم الإرهاب وصولا إلى الحكم بالإعدام. ومن جهة أخرى فإن بعضا مما نشرته وسائل الإعلام حول تعديلات القوانين، مثل توسيع نطاق اختصاص القضاء العسكرى، يتعارض مع الدستور تعارضا مباشرا. وأخيرا فإن الحديث عن الإسراع بإجراءات التقاضى واختصار بعض الخطوات والاقتصار على نظر الدعاوى أمام درجة واحدة، كل هذه أفكار جديرة بالنظر بشكل عام لأن القضاء المصرى يعانى بالفعل من البطء والتكدس وكثرة الإجراءات المعطلة. ولكن مثل هذا التغير يجب أن يأتى فى إطار رؤية شاملة لتحديث الإجراءات الجنائية ونظام التقاضى، وليس فقط بصدد جرائم بعينها مهما كانت خطيرة، لأنه قد يمس الأساس الذى ينهض عليه النظام القضائى المصرى والمبادئ الدستورية التى تحمى المجتمع بأسره وتحفظ التوازن بين الحقوق والواجبات والمسؤليات. ولنتذكر أن ما يسعى الارهاب لتحقيقه ليس مجرد التفجير والاغتيال وإثارة الفتنة، بل تقويض أسس الدولة المدنية الحديثة ودفع المجتمع إلى التخلى عن القيم والمثل والضمانات الدستورية التى ينهض عليها، وإثارة الفزع والكراهية والتوجس بين صفوف الشعب الواحد. والاتجاه نحو التضحية بالضمانات والحقوق الدستورية والقانونية قد يعنى أننا بغير قصد ولا تدبير، نساهم من حيث لا نعلم فى تحقيق تلك الأهداف ونقر بنجاح الإرهاب فى تحقيق مآربه النهائية.
بالتأكيد أن للإرهاب ومكافحته جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية تتعلق بمصادر الإرهاب والبيئة الحاضنة له، وأن الاهتمام بها والتعامل معها ضرورى فى ظل الظروف الراهنة، ولكنى لم أتطرق إليها فى هذا المقال لأن هذا موضوع منفصل ويحتاج لمناقشة أكثر توسعا وجدية من مجرد الدعوة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. موضوعى هنا أننا أمام تحدٍ خطير يواجه مصر كما يواجه العديد من بلدان العالم النامية والمتقدمة على حد سواء، كلها تعيد النظر فى قوانينها وأدواتها الأمنية، وكلها تواجه صعوبة المواءمة بين متطلبات حماية الأمن وحماية دولة القانون. وعلينا أن نخوض ذات النقاش ونتعامل مع نفس الإشكالية بوعى وإدراك لضرورة الخروج من هذه المعركة منتصرين على الإرهاب ولكن محافظين أيضا على الأساس الدستورى لدولة العدالة والقانون.
معركتنا مع الإرهاب ليست معركة أمنية فقط، بل هى معركة للدولة بأسرها ولكل أفرادها ومؤسساتها المدنية والعسكرية، ولن تكتمل وتحقق أهدافها إلا بتضافر جهود كل المجتمع وراءها، وبتطبيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بتحقيق السلم الاجتماعى وتوفير الأمل والفرصة والثقة فى المستقبل. ولكن علينا فى كل الأحوال التمسك بدولة القانون والدستور لأنها الحصن المنيع الذى لا يجب التخلى عنه تحت أى ظرف.
مع تمنياتى بعام جديد وسعيد لكل المصريين وباستقرار وأمن وتنمية ووفاق على ما يحقق صالح الوطن وسلامته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved