الغضب النبيل

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 27 يناير 2011 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

 لم تكن المظاهرات الحاشدة التى شهدتها القاهرة والعديد من مدن مصر يوم الثلاثاء الماضى سوى تعبير رائع عن «الغضب النبيل» لقطاع عريض من الشعب المصرى، الذى يعانى من تدهور أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فقد كان غضب ذلك اليوم قويا لم تشهد مصر له مثيلا منذ انتفاضة 18و19 يناير عام 1977، ومع ذلك كان نبيلا رغم عنفه وحدته ورغم قسوة رجال الأمن على الغاضبين مما أوقع 5 شهداء.

ليس هذا فحسب بل إن «نبل» هذا اليوم يزداد إذا ما استوعب القائمون على أمر البلاد والعباد داخل الحزب الوطنى وباقى مؤسسات الحكم الرسالة، التى حملتها المظاهرات المطالبة بالتغيير والقضاء على الفساد وإجهاض أى سيناريو لتوريث السلطة فى مصر.

فهذه الرسالة قد تكون جرس الإنذار الأخير قبل انفجار الأوضاع على الطريقة التونسية، خاصة أن كل المراقبين اتفقوا على حقيقة أن تلك المظاهرات كانت شعبية فى المقام الأول توارت فيها اللافتات الحزبية والفئوية، وسار فيها شباب ورجال ليس لهم انتماء سوى الانتماء للوطن وليس لهم مطلب سوى ضمان مستقبل أفضل.

لذلك فما جرى أمس الأول يجب ألا يمر مرور الكرام بعد أن عرف الشعب طريق الشارع واختبر قوته فيه، وعرض مطالبه وأبدى قدرا من التمسك بها فلم يعد ممكنا تجاهل تلك المطالب من جانب نظام الحكم، الذى بات مجبرا على إعادة النظر فى الكثير من مواقفه لأن الرهان على سلبية المواطنين أو استغراقهم فى مطاردة لقمة العيش، لم يعد مأمونا، وإنما بات لغما قابلا للانفجار فى أى لحظة، وساعتها لن تفلح قبضة الأمن مهما كانت قاسية ودامية فى إجهاض حلم التغيير.

غير أن تلك الصورة الجميلة للاحتجاجات الشعبية المتحضرة، التى شهدتها مصر لم تشوهها سوى بعض المواقف، التى تضر أكثر مما تنفع حتى بالنسبة لمن تبنونها. فدعوة رجال دين أقباط للمسيحيين إلى عدم المشاركة فى الاحتجاجات يعمق العزلة المسيحية ويضرب مفهوم المواطنة فى مقتل لأن المواطنة تعنى حرية أن يختار كل مواطن موقفه مما يجرى فى البلاد إن كان تأييدا للحزب الوطنى الحاكم أو كان تنديدا به.

فدعوة الكنيسة ومثلها دعوة الطرق الصوفية والجماعات السلفية الإسلامية إلى عدم المشاركة فى الاحتجاجات لن يأتى من ورائها أى خير. فهى إما أنها تكرس للسلبية بين أتباع تلك الحركات والمؤسسات أو أنها تعمق عزلة قطاعات كبيرة من الشعب عما يجرى حوله وهو ما لا يفيد أحد أبدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved