ترامب: الهجوم لرد الاعتبار

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 27 يناير 2017 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

كل سلوك سياسى يحمل معانى ورسائل سواء كانت مباشرة أو غير ذلك، خصوصًا ذلك السلوك الذى يعبر عن توتر ويكشف عن استراتيجية هجوم واضحة ومكشوفة جدًا. لذلك، فإن الانتقادات شديدة اللهجة والتوصيف والتصريح التى أدلى بها الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب ضد الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى تستحق التوقف والقراءة والاستنتاج.

طبعًا لا شك فى أنها انتقادات تستبطن محاولة رد الفعل ضد المواقف الصادمة والأخرى المحتشمة التى تم التعبير عنها نبرة وصمتًا أثناء الإعلان عن فوزه فى الانتخابات الرئاسية. وأغلب الظن أن الرسالة قد وصلت، ولكن عيب هذه الرسالة أنها مغرقة فى المباشراتية ومحرجة إلى درجة أنها تستدعى من الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى ردًا ودفاعًا عن النفس.

وفى الحقيقة فإن ترامب عرف كيف يوجع الاتحاد الأوروبي، فهو وجه له انتقادات لا يمكن تفنيد مضامينها جملة وتفصيلاً باعتبار أن الاتحاد الأوروبى فعلاً يعيش أزمة وتضررًا رمزيًا كثيرًا بإعلان المملكة المتحدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفسر تحسّس الاتحاد من الانتقادات.

ومن جهة ثانية، الواضح أن رئيس الولايات المتحدة الجديد بصدد وضع موازين القوى على النحو الذى يخدم مستقبل العلاقة بينه وبين أوروبا، أى أن الهجوم المتعمد من أجل تحديد الأحجام بالمعنى السياسي، وليس انتقادًا من أجل القطيعة، وإذ نذهب إلى هذا المنحى من القراءة، فذلك لاستحالة انخراط الولايات المتحدة فى سياسة خارجية قائمة على الانعزال، إذ السياسة لا تضبط من طرف شخص واحد، حتى ولو كان ذلك الشخص هو الرئيس.

●●●

السؤال: هل كان ترمب موفقًا فى اعتماد استراتيجية الهجوم والنقد الشديد اللهجة؟ فى الحقيقة إنه ربما كان من الممكن اعتماد استراتيجية الغزل بدلاً من استراتيجية النقد الذى يهمش الطرف المنتقد، خصوصًا أن ترامب يحتاج إلى بناء علاقات ثقة وقبول بينه وبين دول أوروبية عديدة وليس من صالحه بداية مرحلته السياسية بالتوتر مع الاتحاد الأوروبى والدول الأوروبية بشكل عام. طبعًا انتقاداته التى يمكن أن يشتم منها نوع من الاستعلاء يمكن أن تندرج ضمن الخيار القومى الأمريكى المحض الذى عبر عنه خلال حملته الانتخابية، حيث أبرز أن هاجسه الأول الولايات المتحدة، واتسم خطابه بشيء من التمييز سواء ضد فئات فى الداخل أو الخارج.

الواضح هو وجود ضبابية فى الخطاب والاستراتيجية ونوع من الغموض، فمن جهة لا يمكن لأى دولة اليوم الانعزال فما بالنا بأكبر دولة فى العالم؟! ومن جهة ثانية ليس من مصلحة ترامب تبنى خطاب يؤجج التوتر.

كما أن اللحظة الدولية اليوم وتحديدًا ما يتعلق بقضية الإرهاب تحتاج إلى تضافر القوى الكبرى فى العالم لا إلى الانتقادات التى تعمل على التباعد أكثر من تقريب وجهات النظر والمواقف والسياسات. طبعًا الانتقادات المشار إليها من شأنها أن تضع الاتحاد الأوروبى والحلف الأطلسى فى موقف حرج باعتبار أن الرد القوى والمفحم غير وارد، وأن انتقادات ترامب ليست خاطئة مائة فى المائة.

●●●

يمكن القول إن العالم اليوم لا يستطيع أن يحدد الصورة التى ستكون عليها سياسة الإدارة الأمريكية فى عهد ترامب: كل شيء غير واضح ومفتوح على سيناريوهات عديدة، وهو ما يعنى أن الإدارة الجديدة لم تعطَ الاهتمام الكافى إلى الآن بمسألة بعث صورة إيجابية وعلاقات تقوم على التفاعل إلى دول العالم، ذلك أن التصريحات أثناء الحملة الانتخابية يمكن وصفها بالعام، حيث رأينا فى الحملة الانتخابية ما تضمنه خطاب الرئيس الجديد من مواقف حول العرب والإسلام، وها هو يبعث برسائل تبدو غير إيجابية إلى الاتحاد الأوروبى إلى درجة نتساءل فيها: هل المصلحة تكمن فى هذه السياسة؟ طبعًا المنطق السياسى يراهن على أن هذه الضبابية لن تتواصل كثيرًا، إذ لجأ إليها الرئيس الجديد لقياس المواقف ثم فى ضوء التوترات وما ستسفر عنه يعيد ترتيب العلاقات بدول العالم فى ضوء خياراته وسياسة إدارته التى يرغب فى اعتمادها.

لقد بدأ ترامب فترة الرئاسة بالانتقاد وبالترفيع فى منسوب التوتر، وهى بداية لا تحتمل أكثر من فرضيتين، إما أنها سياسة جس نبض، وإعادة ترتيب علاقات طبقًا لقوانين جديدة، وإما أن الرجل جاد فى التركيز على الداخل والتقليص من النوافذ المطلة على الخارج. وإذا صحت الفرضية الثانية، فإن ذلك يعنى أن رئيس الولايات المتحدة الجديد يريد أن يتجاوز صورة الولايات المتحدة كسيدة للعالم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved