لولا دماء الشهداء..

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 27 يناير 2023 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

«الدنيا بعدك مش تمام.. من يوم ما رحت وسبتنا»، هذه العبارة سمعتها خلال حضورى الاحتفال بعيد الشرطة رقم ٧١، ضمن الفقرات الفنية التى رافقت الاحتفال يوم الإثنين الماضى. العبارة على لسان أسر الشهداء، الذين فقدوا أقرب الناس لهم فداء للوطن.
أشاهد الفقرات المتعلقة بالشهداء سواء فى احتفال عيد الشرطة أو فى الندوات التثقيفية التى تعقدها القوات المسلحة بصفة دورية، وفى كل مرة أرى الكثير من العيون تدمع تأثرا بقصص هؤلاء الذين رحلوا من أجل أن ننعم بالاستقرار.
بطبيعة الحال فإن من كان عمره عاما واحدا من أبناء الشهداء أبطال الشرطة الذين تصدوا لعدوان الاحتلال الإنجليزى على محافظة الإسماعيلية فى ٢٥ يناير ١٩٥٢، قد صار عمره الآن ٧٢ عاما، ومن المؤسف والمحزن أن غالبية، إن لم يكن كل الشهداء الذين سقطوا فى مصر بعد نهاية حرب أكتوبر ١٩٧٣، لم يسقطوا برصاص الاحتلال، بل برصاص التطرف والإرهاب.
وعرفنا من الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال إفطار الأسرة المصرية فى ٢٧ أبريل الماضى، أن عدد الشهداء الذين سقطوا خلال المواجهة مع الإرهابيين منذ عام ٢٠١٣ وحتى هذا التاريخ بلغ ٣٢٧٧ شهيدا، إضافة إلى ١٢٢٠٨ مصابين.
فى الماضى كنا نقول إن الشهيد فلان استشهد خلال مواجهة العصابات الصهيونية فى فلسطين كما هو حال البطل الشهيد أحمد عبدالعزيز عام ١٩٤٨، أو فى حروب ١٩٥٦ أو ١٩٦٧ أو ١٩٧٣ فى سيناء ومدن القناة، لكن منذ أن ابتليت مصر بطاعون الإرهاب والتطرف فإن العدد الأكبر من شهدائنا سقط برصاصاتهم الغادرة سواء فى سيناء أو فى تفجيرات المساجد والكنائس ومديريات الأمن وكمائن ومواقع الجيش والشرطة.
فى الصف الذى كنت أجلس فيه فى احتفال أكاديمية الشرطة كان يجلس خلفى مباشرة عدد من أسر الشهداء، والمشهد واحد لا يتغير تقريبا: أم أو زوجة مكلومة ترتدى الأسود، وعلامات الحزن والأسى والفراق مرتسمة وراسخة على وجهها، وأطفال ساهمون واجمون، أو صغار جدا يلهون ويلعبون ويضحكون لأنهم لم يدركوا بعد معنى فقد الأب.
فى مرات كثيرة وأنا أشاهد هذه الأسر أسأل نفسى: كيف يعيشون، وكيف تغيرت حياة الأسرة بعد الفقد؟.
صحيح أن الدولة والحكومة والمجتمع يقفون بجانبهم ويقدمون لهم كل ما يستطيعون من دعم متنوع، ولكن السؤال: هل هناك ما يعوض فقد الأب أو الزوج أو الابن خصوصا حينما يكون فى ريعان شبابه؟
بالطبع استقلال وسلامة الوطن وأمنه واستقراره هدف اسمى يستحق كل غال ونفيس، ولا يمكن الجدال فى هذا الأمر، لكن أنا أسأل عن معاناة أسر الشهداء، وكيف أنهم فقدوا أعز أحبتهم، وبالتالى فأى شىء لا يمكن أن يعوضهم عن فقد هذا الحبيب.
من هنا وجب على المجتمع بأكمله أن يقدم كل ما يمكنه لأسر هؤلاء الشهداء، ليس فقط من أجل سداد ما هو مستحق من واجب علينا، ولكن أيضا حتى يعرف الجميع أن من يضحى بحياته من أجل هذا الوطن سوف يتم تكريمه ودعم أسرته من بعده.
حينما صعد المقدم طارق عبدالوهاب إلى منصة الاحتفال ليلقى كلمته عرف الناس أنه فقد يديه الاثنتين فى عملية إرهابية وقعت فى ٣٠ يونيو ٢٠١٤. الرئيس السيسى قرر خلال الاحتفال منح ترقية استثنائية للمقدم طارق إلى عقيد. الرئيس قال له: «الترقية مش تعويض، بل شكل من أشكال العرفان والتقدير والاحترام من البلد لما قدمته لها أنت وكل الشهداء والمصابين طوال سنوات المواجهة العشرة».
طارق وأمثاله من المصابين قدم جزءا من جسده، والآلاف قدموا أرواحهم، والهدف الرئيسى لهذه التضحيات أن تعيش مصر فى استقرار وتقدم وأمن وسلام.
لولا تضحيات آلاف من ضباط وجنود وأفراد الشرطة والجيش والمجتمع والعديد من قطاعات المجتمع المدنى ما وصلنا إلى حالة الاستقرار التى نعيشها الآن.
مصر دفعت ثمنا كبيرا لهذا الاستقرار. هناك أكثر من ٣٢٧٧ أسرة مصرية تتألم وسوف تتألم بسبب أبنائهم، وبالتالى فالمجتمع بأكمله مدين لكل شهيد ومصاب ضحى من أجل ألا نتحول إلى دولة فاشلة منقسمة متحاربة، وربما محتلة كما حدث لبعض الدول التى أصيبت بفيروس الإرهاب ولم تشفَ منه حتى الآن.
الرئيس السيسى قال يوم احتفال عيد الشرطة: «عيب جدا أن ننسى الشهداء ولازم نظل نتذكرهم ونتذكر تضحياتهم». وهو أمر ينبغى ترجمته فى المدارس والجامعات وسائر وسائل الإعلام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved