سيمفونية نسائية

نيفين مسعد
نيفين مسعد

آخر تحديث: الخميس 27 فبراير 2020 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

في هذا الصباح ترددت سيمفونية مميزة داخل قاعة الاجتماعات بمنظمة المرأة العربية، أمسكَت كل عازفة بأداتها وراحت تعزف منفردة، الريشة والكاميرا والقلم والسطور والحكايات واللعب والتراث كانت أدوات حاضرة وكل الأدوات تمازجت لتصنع معزوفة مميزة. كنت على وشك استخدام تعبير "مبهجة" في وصف المعزوفة النسائية وهذا جانب حقيقي فيها، لكن ثمة جانباً آخر كان ينكأ جروحاً ويذكرنا بأن مجتمعاتنا الشرقية مازالت تميز ضد المرأة وهذا أيضًا حقيقي .
***
افتتحَت الدكتورة فادية كيوان مديرة منظمة المرأة العربية الحلقة النقاشية وكانت بعنوان "دور الفن والإعلام في تغيير الصورة النمطية عن المرأة في الثقافة العربية"، وحول الطاولة جلست نساء من خمسة بلدان عربية ومن أجيال مختلفة غلب عليها الشباب، وكان الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع القدير هو الرجل الوحيد بيننا. لن يحاول هذا المقال تلخيص أعمال الحلقة النقاشية لأسباب كثيرة، لكنه سيركز الضوء على بعض الأفكار الجديدة لتغيير صورة المرأة في الثقافة العربية. نبهتنا رسامة الكاريكاتير الموهوبة دعاء العَدل إلى أن بعض كبار رسامي الكاريكاتير الذين تربعوا على عرش هذا الفن لعقود طويلة كثيراً ما تنمرت ريشتهم بالمرأة، وعندما عرضت لنا بعضًا من رسوم هؤلاء الكبار استغربتُ شخصياً كيف أنني ضحكت يوماً لرسم يصور المرأة الممتلئة كمرادف لتضخم الأسعار، نحن نطالب الرجال بأن يرونا فيما يفعلون وأحياناً نحن النساء لا نرى أنفسنا. ألّفت دعاء قبل ثلاث سنوات كتاباً بعنوان "٥٠ رسمة وأكثر عن المرأة "، وفي ختامه تخيلت حفلاً تصدح فيه أم كلثوم بالغناء فيما الرجال والنساء يرقصون الڤالس، في رقصة الڤالس يتخاصر الراقصون وتتحرك سيقانهم معاً، في رقصة الڤالس توجد مساواة. التقطت المخرجة الرائعة هالة جلال الخيط ولفتتنا إلى جانب آخر من جوانب التمييز الفطري ضد النساء، تمييز استديوهات الصوت، ما معني هذا؟ انتبهنا كغير متخصصات لكلامها. تعمل استديوهات الصوت في العادة من الساعة العاشرة مساء وحتى الساعة الخامسة صباحا، وهذا يعني تلقائيا استبعاد مهندسات الصوت من العمل، لذلك فعندما كانت هالة جلال في موقع مسؤولية عدّلت مواعيد العمل باستديوهات الصوت لتصير أكثر إنسانية، هل لابد من دعاء وهالة ليكون الفن أكثر عدلاً في التعامل مع المرأة؟ نعم يبدو هذا حتى يصير لدينا ألف دعاء وألف هالة .
***
أما هذه الشابة اللهلوبة سارة عزيز فحكايتها حكاية، تعمل سارة في مؤسسة تسعى لضمان حياة نفسية آمنة للأطفال، والحياة الآمنة هنا بمعنى الحياة السوية. تنتج المؤسسة ألعاباً ورقية لكسر التابوهات في ثقافتنا العربية، ومن هذه اللعب لعبة تعوّد الصغار على الفضفضة والتعبير عن مشاعرهم، هل سألنا أبداً أطفالنا بماذا يشعرون؟ لا نحن لا نسألهم فمشاعرهم مضمونة بالنسبة لنا، هدايانا تبهجهم وحرماننا يؤذيهم، ماذا بعد؟ بعد يوجد كثير. تعوّد اللعبة الطفل على مشاعر متعاكسة، وتنبه الطفل الذكر إلى أن الدموع لا تؤنَث إلا في اللغة كما أن الخجل لا يُذّكر إلا فيها، أما خارج قواعد النحو فالمشاعر تتحرك بحرية إن حزناً فحزن وإن خجلاً فخجل، أو يفترض ذلك. من سارة انتقل الكلام إلى شابة "حِركة" أخرى كما يقولون هي فاطمة عبد السلام، تصنع فاطمة ڤيديوهات قصيرة عن الانحياز الإعلامي ضد المرأة بصورة ساخرة، وفي أحد هذه الڤيديوهات إعلان شهير عن مسحوق غسيل تحذر فيه الأم ابنتها من أنها لن تتزوج لأنها لا تعرف كيف تغسل، يا الله! زمان كانوا يقولون لنا إن الفتاة لا تتزوج بشهادتها لكننا قاومنا وتفوقنا، والآن يقولون لنا إن الفتاة تتزوج بغسيلها؟ احذروا فإن السيارة تعود للخلف بسرعة الصاروخ، لكن هؤلاء الشابات الواعيات يمسكن بالفرامل ويمنعن السيارة من التقهقر. تغني فاطمة في الفيديو بخفة ظل متناهية "امسحي.. نضفي.. اغسلي.. لمعي.. شهلي شهلي إوعي تكسلي". لماذا تتوجه إعلانات المنظفات للنساء حصرا؟ سؤال طُرِح علينا وإجابته في داخله: التمييز.
***
يقولون إن النساء ثرثارات وهذه صورة أخرى من الصور النمطية عن النساء، ويكتب صلاح چاهين قائلا "يا سلام على البنات الأروبة المدهشات.. ذاكرة فوتوغرافية.. كومبيوتر معلومات". بفرض أننا كذلك فعلاً فلماذا لا تنتقل ثرثرتنا إلى الورق ومعلوماتنا إلى حكايات؟ قليل من النساء يكتب وقليل مما يكتبنه يُنشَر وقليل من دور النشر يجعل المرأة قضيته. تعرفتُ لأول مرة في هذا اللقاء على دار نشر "هن" من مديرتها الشابة هند سالم، وهي دار تنشر وتترجم للنساء. من قبل بدأت الصديقة العزيزة هدى الصدة استنطاق النساء عبر مؤسسة المرأة والذاكرة، وها هى هند سالم تنشر.. احكِ يا شهرزاد.. احكِ لكن ليس ليتسلى زير النساء شهريار، احك حتى يبصرك المجتمع ويعلم أنكِ هنا، احكِ لأن الفضفضة نصف الطريق إلى الشفاء وفينا المعنفات والمقهورات ومن لا سلاح لهن إلا الفضفضة. أعتذر عن التطفل على تخصص الشابة الرصينة كارول حمّال التي تعالج النساء بالفن وتجبر خواطرهن بالحكي والرسومات.
***
في هذه الحلقة النقاشية بلغ التفاعل مداه، وعلى حد علمي فتلك أول مرة يضحي فيها المشاركون باستراحة القهوة فتتأجل لساعتين كاملتين، فاللقاء كان مشبعاً بروح التفاؤل والمبادرة وكان الجديد فيه وفيرًا جدًا، والعمر الطويل للشابات اللاتي يحملن على أكتافهن مشروع التغيير. ولذلك فمع أن الحلقة ضمت أسماء كبيرة مثل نهاد أبو القمصان وميرڤت أبو عوف ونادية أبو غازي وعايدة الجوهري وفاطمة غندور، إلا أنني أحببت أن أترك هذه المساحة لأفكار لم يسمع بها الكثيرون مع أن كل الأمل فيها والاعتماد عليها. فشكراً لمنظمة المرأة العربية ومديرتها القديرة دكتورة فاديا كيوان على هذه السمفونية النسائية المتناغمة التي تعدنا ببكره أحلى من النهارده.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved