المرشح ساندرز نسخة 2020

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 27 فبراير 2020 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

أدى فوز السيناتور بيرنى ساندرز فى انتخابات ولاية نيفادا لقلق واسع فى دوائر نخبة الحزب الديمقراطى وذلك على خلفية مخاوف من طبيعة خطابة الاشتراكى اليسارى، ولا ينتقد ساندرز فقط سياسات الحزب الجمهورى، بل تمتد انتقاداته للكثير من سياسات الحزب الديمقراطى، ودفع الفوز الذى حققه ساندرز فى ولاية نيفادا بحظوظه لتصدر قوائم المرشحين الديمقراطيين، ولم يحقق ساندرز فوزا بسيطا فى ولاية نيفادا، بل اكتسح التصويت بحصوله على 47.1% من الأصوات على الرغم من ازدحام السباق بمرشحين آخرين.
وتعكس خريطة ولاية نيفادا السكانية صورة مصغرة من الولايات المتحدة. إذ لا تبلغ نسبة السكان البيض فيها إلا 68%، فى حين تبلغ نسبة الأقليات العرقية الأخرى خاصة الأفارقة الأمريكيين والهيسبانيك اللاتينيين نسبة 32%.
***
ومن حسن حظ السيناتور ساندرز، وجود انقسامات حادة وتفتيت الأصوات المعادية له فى الحزب الديمقراطى، وهو ما يدعم بشدة حظوظه ويصعب من مهمة منافسيه ويضعه ذلك فى المقدمة منفردا. من ناحية أخرى، أظهرت نتائج نيفادا كذلك خطأ حسابات أعداء ساندرز داخل الحزب ممن يكررون أن نسبة دعم الديمقراطيين للسيناتور الاشتراكى لا تتخطى 30% فى أفضل الأحوال. وبعد فوزه قال ساندرز «لقد أصبح لنا تحالف متنوع الثقافات ومتنوع الأعراق، ولهذا لم نحقق الفوز فقط فى نيفادا، بل سنكتسح بقية الولايات»، ويواجه السيناتور البالغ 78 من العمر تحديا كبيرا فى ولاية كارولينا الجنوبية يوم 29 فبراير وذلك قبل الاختبار الكبير وربما الحاسم، إذ يشهد الثلاثاء العظيم انتخابات فى 14 ولاية يحدد مصيرها هوية المرشح الفائز إلى حد كبير يوم الثالث من مارس.
***
وزلزل تقدم ساندرز الواضح مضاجع نخبة الديمقراطيين، وظهر ذلك فى مواقف وتصريحات عدد منهم، كما ظهر بوضوح فى التغطية الإعلامية لتقدم ساندرز فى صحف ومحطات معروفة بقربها من الحزب الديمقراطى، ويصف السيناتور ساندرز نفسه «بالمرشح الاشتراكى الديمقراطى» ويستشهد بخبرات الدول الاسكندينافية الاشتراكية الناجحة خاصة تجاه قضية الرعاية الصحية. وتشير استطلاعات تجريها مؤسسة جالوب بانتظام منذ عقود إلى أن شعور الأمريكيين يتحسن تجاه فكرة الاشتراكية، وتضاعفت نسبة الأمريكيين الإيجابية للاشتراكية بين عامى 1943 و2018، حيث زاد الربط بينها وبين عدالة توزيع الثروة وتساوى الفرص الاقتصادية.
ويتهم مرشحو الوسط الديمقراطيون ساندرز بأنه يسارى اشتراكى يريد أن يمنع الأمريكيين من حق اختيار نظام التأمين الصحى الذى يفضلونه، وأنه سيفرض عليهم نظام رعاية صحية موحد، ويحظر التأمين الصحى الخاص ويمنع حق اختيار نظام الرعاية الصحية المناسب لكل شخص.
***
من الواضح أن نخبة الديمقراطيين لا تدرك التغيرات الجارية بالمجتمع الأمريكى خاصة مع الشباب، كلمة اشتراكى فى عام 2020 لم يعد لها نفس الأثر كما كان فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى أثناء الحرب الباردة وفترة الصراع الإيديولوجى بين واشنطن وموسكو. شباب الحزب الديمقراطى من طلاب الجامعات الداعمين للمرشح ساندرز ينظرون للفكر الاشتراكى بصورة أكثر إيجابية مقارنة بكبار السن، ويربطونه بتحقيق عدالة اقتصادية وتساوى الفرص أمام الجميع فى مجتمع تزداد فيه الفجوة بين أغنيائه وفقرائه كل عام. خلال الانتخابات السابقة 2016، مثل ساندرز ظاهرة جديرة بالمتابعة إذ استطاع فرض نفسه كمرشح جاد، واستطاع جذب ملايين الشباب من المنتمين للحزب الديمقراطى على الرغم من الفجوة الجيلية الواسعة التى تبعده بنصف قرن عن متوسط أعمارهم، واليوم يحافظ ساندرز على هذا الزخم بل يوسع من مناصريه.
وهو ما يمثل مفاجأة سارة له ولمناصريه وغير سارة لأعدائه، لقد نجح ساندرز فى الخروج من قوقعة الناخبين البيض التقدميين والشباب الجامعى المثالى، ويبدو أن ساندرز تعلم كيفية التواصل الجاد مع الناخبين من أصول إفريقية ولاتينية وآسيوية، والذين باتوا يشكلون الدوائر الأساسية الأهم للحزب الديمقراطى.
***
يرفض ساندرز أن يمتلك 1% من الأثرياء ثروات توازى ما لدى 90% من الأمريكيين. ولعقود لم تتغير مطالب ساندرز بضرورة تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية. استطاع إلهام كثير من الفقراء والعمال عن طريق المطالبة بإصلاح هيكلى لنظم الرعاية الصحية بحيث تدفع الدولة جميع التكاليف، ومن أجل تعليم جامعى مجانى، وإلغاء ديون الطلاب، ومن أجل حد أدنى للأجور يبدأ من 15 دولارا فى الساعة، وتقويض البنوك الكبرى، وضمان أن يدفع الأغنياء نصيبهم العادل من الضرائب. إلا أن لساندرز موقفا معقدا تجاه حق حمل السلاح يناقض كل يساريته الفكرية. فهو لا يعارض هذا الحق، لكنه يريد وضع بعض العقبات بما يبطئ فقط شراء المواطنين للأسلحة الفتاكة.
***
خلال الأيام القليلة الماضية فتح السيناتور ساندرز جبهتين حديديتين ضده، لكن أتصور أن حساباته تجاههما كانت صائبة. رفض ساندرز دعوة منظمة آيباك، أكبر منظمات اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة، للحديث فى مؤتمرها السنوى الأسبوع القادم، وهاجمها بالقول «إن آيباك توفر منصة لقادة يظهرون تعصبا ويعارضون الحقوق الفلسطينية الأساسية».
وبعد ذلك امتدح ساندرز سياسات الثورة الاشتراكية الكوبية ورئيسها السابق فيديل كاسترو والتى قضت على الأمية فى هذه الجزيرة ووفرت رعاية صحية مجانية لكل سكانها. وتسبب ذلك فى حملات هجوم ضده من الجالية الكوبية بولاية فلوريدا بلا توقف.
قد يكلف ذلك ساندرز أصوات المتشددين اليهود وأنصارهم من البروتستانت الإنجيليين وسيخسر ساندرز كذلك أصوات كوبيى ولاية فلوريدا. لكن لا عليه أن يأبه بهؤلاء، فهو يتحدث ويجذب ائتلاف لا يكترث أعضاؤه بالدعم الأعمى وغير المشروط لإسرائيل. ائتلاف لا يريد أن تستمر مقاطعة واشنطن للشعب الكوبى، بل يطالب كذلك بإعادة العمل بالاتفاق النووى مع إيران. ويدل كل ما سبق على أن سياسة ساندرز الخارجية تعكس توجها ثوريا على الثوابت الأمريكية المعروفة.
***
قبل أيام دعا الكاتب بول كروجمان والحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد، إلى عدم الخوف من وصول ساندرز للرئاسة. وخلال سلسلة تغريدات قال كروجمان «على ما يبدو أن ساندرز فى طريقه للفوز بترشيح الديمقراطيين، لكن علينا إدراك أن ساندرز ليس النسخة اليسارية من ترامب. وعلى الرغم من الاختلاف مع الكثير من أفكاره، لا يرغب ساندرز فى أن يكون حاكما مستبدا». فهل تستمع نخبة الديمقراطيين لكروجمان أم سيخططون للانقلاب على المرشح المختلف.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved