القمة العربية فى بغداد.. التعرف إلى عراق ما بعد الاحتلال

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 28 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

الحدث: أن القمة العربية الثالثة والعشرين ستنعقد غدا (الخميس) فى بغداد.

 

ما تبقى تفاصيل، سواء اتصل الأمر بما سوف يصدر عنها من «قرارات» لن تنفذ، أو «توصيات» لن يعمل بها أحد.

 

من التفاصيل أن نتوقف أمام من يجىء من الملوك والرؤساء والسلاطين لتمثيل بلاده فى هذه القمة التى يرى فيها العراقيون نوعا من إعادة الاعتبار الى دولتهم التى ما تزال قيد التأسيس.

 

فعراق ما بعد الاحتلال الامريكى ليس هو العراق الذى عرفه أهله ومن ثم العرب والعالم.. ذلك إن هذا الاحتلال قد أنجز ما كان قد تسبب فيه طغيان صدام حسين من ضرب اللحمة الوطنية، وإفقار البلاد وشعبها، وتفكيك الدولة وتمزيق الوحدة الوطنية بحروب الانتقام التى شنها، خلال حكمه الطويل، والتى شملت المناطق جميعا والطوائف جميعا والعناصر التى يتكون منها العراقيون فى مختلف مناطق ارض الرافدين شمالا وجنوبا وشرقا وغربا بما فى ذلك العاصمة بغداد.

 

ثم إن ذكريات العراقيين عن القمم العربية ليست طيبة، إذ إن بين هذه القمم من غطى حروبا خارجية على العراق، بذريعة ردع صدام حسين عن مغامراته العسكرية وأخطرها اجتياحه الكويت صيف العام 1990.

 

فضلا عن أن الاحتلال الأميركى للعراق لم يحظ «باهتمام» القادة العرب، بل أن العراقيين يتذكرون ــ بوجع ــ إن العديد من هؤلاء القادة كانوا متواطئين مع الإدارة الامريكية، وأنهم جلسوا يتفرجون على تدمير الدولة انطلاقا من بغداد ونهب كنوز الثقافة، دون إن «يتظاهروا» بالاهتمام او بالحزن او أن يعتذروا عن عجزهم. ثم إن هؤلاء القادة لم يهبوا لنجدة الشعب العراقى وهم يرون الملايين من رجاله ونسائه وأطفاله يتركون بيوتهم وأرزاقهم ويهربون الى أى مكان يوفر لهم السلامة والخبز.

 

●●●

 

ما علينا والماضى، لنعد إلى الحاضر والى القمة العربية فى بغداد (وهى الثالثة تعقد فيها بعد قمة 1978 وقمة 1990)، التى يعرف العراقيون أن قيمتها معنوية، وانها تعنى شيئا من إعادة الاعتبار الى الجمهورية العراقية، بوصفها عضوا مؤسسا لجامعة الدول العربية، والاهم أنها تؤكد الهوية العربية لهذه الدولة التى كان يصفها المغالون فى تقدير قوتها «بروسيا العرب».

 

الصورة الخارجية للقمة تظل بائسة، برغم الزركشات والمحسنات اللفظية التى تضفى عليها.. فالقادة العرب أو من يمثلهم، يأتون الى بغداد مختلفين الى حد مقاطعة بعضهم البعضِ، وتجرؤ المستجدين فى عضوية الجامعة على المطالبة بطرد بعض مؤسسيها، ولو بتعليق العضوية، كما حدث لسوريا، وبغض النظر عن الأسباب.

 

ثم إن المتفقين فيما بينهم على انعقاد القمة يظهرون حرصهم على بقاء هذه «المؤسسة» ثم على استبقاء دور لهذه الجامعة، ولو محدود وشكلى، لأنه يفيدهم طالما صاروا «الأكثرية» وصار لهم القرار، بمعزل عن القدرة على تنفيذه.

 

وهم يأتون وقد افتضح أمرهم وثبت عجزهم عن معالجة أمورهم بأنفسهم وعبر «قياداتهم»، الملكية منها والجمهورية، بدليل أنهم فشلوا فى اتخاذ قرار لهم القدرة على تنفيذه، مع الانتفاضة الليبية، بداية، فجعلوا من الجامعة مجرد ساعى بريد إلى مجلس الأمن، الذى أحالهم الى الحلف الأطلسى فناب عن «العرب» فى اتخاذ القرار البائس «بتحرير» ليبيا من طغيان عقيدها معمر القذافى.

 

ولقد تأكد ذلك العجز، مرة أخرى، مع الحالة السورية.. وهكذا دفعوا بالجامعة دفعا لتشكو بؤس حالها ــ حال العرب ــ الى مجلس الأمن الدولى وتفوضه بأن يبتدع حلا للأزمة الخطيرة التى تقترب من حافة الحرب الأهلية وتنذر بتدمير سوريا وإطلاق فتنة لا تبقى ولا تذر فى المشرق العربى جميعا.

 

●●●

 

على هذا فإن العراقيين عموما يريدون القمة كنوع من إعادة الاعتبار، عربيا، الى بلادهم، يؤكد هويتهم، وحرص إخوتهم على هذه الهوية لشعب العراق كما لدولته المتصدعة.

 

أما أطراف الحكم فتختلف نظراتهم او توقعاتهم الى القمة ومنها باختلاف أغراضهم ومصالحهم داخل لعبة السلطة، وان اتفقوا أن مجرد استضافة بغداد لهذه القمة يخدم العراق، وبالتالى يزكى القائمين بالأمر.

 

وليس سرا أن السلطة المركزية فى بغداد تشكلت اضطراريا من أطراف غير متوافقين لا على صيغة الدولة ومؤسساتها، السياسية والاقتصادية والأمنية منها على وجه الخصوص.. وأن «الائتلاف» القائم الآن بين الأركان فى قمة هرم السلطة هو ائتلاف اضطرارى يحجب خلافات جدية بينهم، لكن أحدا منهم لا يريد تفجيره لأسباب عدة ابرزها أن ايا منهم لا يمكنه بمفرده أن يدعى انه «يختصر» دولة العراق فى شخصه، ثم إن كلا منهم قد احتاج الآخرون ليصل إلى موقعه ويبقى فيه.

 

والواقع أن هناك مسائل خطيرة لا تزال معلقة، أبرزها ما يتصل بالصيغة النهائية للنظام: هل هو أحادى ــ فيدرالى أم هو مركزى إلا فى الشمال الكردى حيث تكاد كردستان تستكمل شكليات «الدولة» المستقلة وإن حرصت قيادة رئيسها مسعود برازانى على عدم القطع مع السلطة المركزية فى بغداد.. خصوصا وهو قد أعطى نفسه دور المرجعية السياسية المؤهلة للتدخل من أجل التوفيق بين الكتل والمكونات والشخصيات السياسية مستفيدا من موقعه الاستثنائى ومن صوته المرجح فى لعبة السلطة والكيان.

 

والواقع أن الانتخابات النيابية والاستفتاءات لم تحسم الصيغة النهائية للحكم، وان توافق الكل على وضع مركب: رئيس الدولة (سنى، كردى) له نائبان (سنى وشيعى)، ورئيس الحكومة (وهو صاحب القرار المركزى فى السلطة ــ شيعى) وله نائبان (سنى وشيعى)، ورئيس المجلس النيابى الذى له ــ نظريا ــ حق محاسبة السلطة سنى عربى وله نائبان (شيعى وكردى).

 

ما لنا وللتفاصيل حيث تكمن الشياطين..

 

ان كل طرف فى السلطة يرى فى انعقاد القمة تزكية لموقعه وموقفه.

 

 وإذا كان الرئيس جلال الطالبانى هو السياسى المخضرم وصاحب التجربة العريضة وأكثر الشخصيات العراقية المعروفة فى دوائر القرار كما على المستوى الشعبى العربي، يلعب الدور التوافقى الأبرز، فإن رئيس الحكومة « العقائدى» نور المالكى كان قائدا لتنظيم شبه سري، ثم انه لم يتورع عن تقديم نفسه خلال إحدى زياراته واشنطن بانه «شيعى أولا، عراقى ثانيا وعربى ثالثا».

 

ومنذ اجتياح القوات الامريكية العراق وإسقاط نظام صدام حسين، برز واقع ضعف التمثيل الشيعى فى السلطة العراقية منذ قيام الدولة فى ارض الرافدين. وإذا كانت البداية تتمثل، تاريخيا، فى الحرم الذى أصدرته المرجعيات الشيعية على من يقبل بالاشتراك فى الحكم تحت الاحتلال البريطانى (ثورة العشرين)، فإن الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق، بعد خلع الملك الذى كان «يرضى» بهاشميته الشيعة، قصرت فى معالجة الخلل فى السلطة.

 

●●●

 

ربما لهذا برزت الصيغة الطائفية للحكم فى العراق ما بعد صدام حسين: فبين الشيعة من افترض أن الوقت قد حان لإنصاف طائفتهم، وبالتالى توليهم الموقع الأول فى السلطة، تعويضا لهم عن «ظلمهم التاريخى».. فى حين أن السنة وجدوا فى هذا الأمر ظلما لهم، فتعويض الشيعة لا يكون بتعريض السنة لظلم مضاد.

 

ربما لهذا، فى جملة أسباب أخرى كثيرة، تأخر اعتراف العديد من الأنظمة العربية، لاسيما فى الجزيرة والخليج، بالحكم الجديد فى العراق، او بالاحرى تأخر إقبالهم على التعامل معه بصورة طبيعية، كأخ شقيق، وفرضوا عليه ــ ولفترة طويلة ــ نوعا من الحظر.

 

وربما لهذا قد يعتبر العراقيون عموما انعقاد القمة العربية فى بغداد اعترافا عربيا متأخرا بالأمر الواقع، أى بالتشكيلة الراهنة للسلطة.

 

●●●

 

 تبقى الإشارة الى أن عدد «الكبار» الغائبين عن القمة سيكون ملحوظا.. فلا رئيس المجلس العسكرى فى مصر سيحضر، ولا الملك السعودى، ولا الملك المغربى (الذى نادرا ما حضر القمم) والأرجح أن يوفد الخليجيون وزراءهم، وقد لا يحضر الرئيس الجزائرى بسبب من مرضه او من انهماكه فى الشئون الداخلية المعقدة، وسيحضر الرئيس التونسى بارتجاليته المميزة، وليس معروفا بالضبط من سيمثل ليبيا، أما لبنان فمن الطبيعى أن يحضر بشخص رئيس الجمهورية ووفد طبيعى.

 

وكالعادة ستسقط فلسطين سهوا إلا من بضعة سطور فى البيان الختامى.

 

ستكون سوريا الغائب الأكبر ــ الحاضر الأكبر، وسيكون غيابها الحاضر أهم معضلات القمة، خصوصا أنها تكشف عجز هذه المؤسسة عن التعامل مع الأحداث الخطيرة التى تعصف بالمنطقة.

 

وسيكتشف غلاة السلفيين والإسلاميين أن الشيعة بشر مثلهم ومسلمون مثلهم ايضا.

 

لسوف يسعد بغداد والعراقيون عموما أن يأتى إليهم القادة العرب ليعقدوا فى بلادهم قمة إضافية لا توفر حلا لأية مشكلة تعطل التوافق العربى والتعاون العربى الجدى برغم انهم سيعانون الأمرين فى عاصمتهم بسبب التدابير الأمنية الاستثنائية التى ستجعل بغداد قلعة محصنة بمائة ألف رجل امنى، فضلا عن حراستها جوا بطيران الاحتلال الامريكى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved