الوصية الأخيرة

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الخميس 27 مارس 2014 - 6:15 ص بتوقيت القاهرة

قال لى فى آخر حوار طويل بيننا «أنا لسه بحلم». وصمت، وصمتُ أنا أيضا. مرت حوالى عشر دقائق، إلى أن كسر حاجز الصمت بقوله: أحلم بحياة، فأنا لم أعش بعد. جوايا أفكار كثيرة، وشخصيات من بنى وطنى نفسى أجسدها. نفسى أعيش أحمد زكى اللى حاسه دلوقتى. أنا حاسس اننى اتفطمت، اتفطمت من حاجات كثيرة، لكن مش من نفسى. إياك يا خالد تتفطم من نفسك. خليك زى ما انت. عيش جوه نفسك. خاف من نفسك وطبطب عليها، فالإنسان بلا خوف مش إنسان.

الموقف استدعته الذاكرة، وأنا أفتش فى نفس الراحل الجميل النجم الأسمر أحمد زكى. الفنان والإنسان. الأصل والصورة فى ذكرى رحيله التاسعة، وكم كانت المواقف التى جمعت بينى وبينه كثيرة عبر حوارات صحفية دار أغلبها فى الفندق الذى كان يقيم به أثناء تصوير فيلمه «أيام السادات» وكذلك «أرض الخوف» ومعالى الوزير وحليم، ونظرات ولقاءات عابرة بلا كلمات خلال رحلة علاجه قبيل الرحيل الصدمة. فأصعب لحظة على أى فنان حينما يشعر أن بداخله الأحلام تتدفق ويأتى القدر فجأة يخطفه منها، دون حتى أن يساومه على شىء.. أى شىء.

كان أحمد زكى يشعر أحيانا كثيرة بعدم الرضا، فرغم إيمانه بأنه قدم مشاهد سينمائية فى بلاتوه الحياة كما يحب أن يسميها، فإنه يرى أن الإيمان الأكبر فى الإصرار على تقديم مشاهد أهم جديدة وقادمة. تلك المشاهد تتلخص فى صور لشخصيات من واقع الحياة، أراد أن يصرخ بصوتها ويقدم حكاياتها على الشاشة. لدرجة أنه كان يشعرنى رغم إنتاجه الكبير أنه لم يقدم شيئا بعد. فطوفان الموهبة كان يتجدد من وقت لآخر، والممثل بداخله كان يثور دائما كالبركان، يريد أن يفرج عن مكنون رؤى وشخصيات. بل إن أحمد زكى بدا لنفسه فى آخر عام فى حياته وكأن لحظة توهجه الفنى الذى يبغيه توشك أن تولد من جديد بأحلام جديدة.

وفى لحظات أخرى كنت أشعر أن بداخله خوفا من تلك الأعمال السينمائية التى قدمها للشاشة أنها سوف تفقد وتهمل، وهنا أذكر غضبه الشديد من موقف وزير الاعلام الأسبق صفوت الشريف حينما ذهب إليه وأوصاه بضرورة أن يتبنى التليفزيون المصرى شراء وتجديد حقوق عرض أفلامه حتى يتمكن جمهوره من رؤيتها تليفزيونيا ومن هذه الأفلام «أرض الخوف، وعيون لا تنام، وطائر على الطريق، والتخشيبة، الحب فوق هضبة الهرم، وزوجة رجل مهم، والراعى والنساء، والبيه البواب، والباشا، والامبراطور، وأحلام هند وكاميليا، والهروب، وضد الحكومة، وموعد على العشاء» وظل يحاول مع الجهات المختصة لتنفيذ أمنيته ووصيته، لكنه كان حزينا لعدم اتخاذ أية خطوات إيجابية فى هذا الموضوع وحتى فى أيام مرضه كان كثيرا ما يسأل كل من حوله: هل سيتبنى التليفزيون المصرى فعلا هذه الوصية، هل بدأ المسئولون فى التفاوض على حق عرض أعمالى. أولادى. تاريخى. إننى لم أقصر فقد قدمت أعمالا متنوعة لشخصيات مصرية».

فى النهاية، رحل النجم الاسمر وترك وصيته.. فهل من مستجيب؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved