حتى لا يصبح كابوسا!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 27 مارس 2020 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

يسيطر الخوف والهلع على الجميع من إمكانية خروج فيروس كورونا عن السيطرة، وانتقاله إلى المرحلة الثالثة التى تعتبر سيناريو كابوسيا بكل المقاييس، وهو ما يمكن تجنبه بإجراء واحد فقط، يتطلب من أجهزة الدولة عدم المماطلة فى اتخاذه ومساندة مجتمعية حقيقية.
قبل الحديث عن هذا الإجراء الضرورى لمنع الكابوس، ينبغى أن نعرف أن المرحلة الثالثة من الفيروس تعنى باختصار، صعوبة السيطرة على عدد الحالات المصابة به، أو عدم القدرة على التحكم فى مصدر الوباء أو تتبع مساره، وبالتالى تتزايد حالات الإصابة بشكل مخيف، الأمر الذى ينتج عنه عدم قدرة القطاع الصحى على التعامل معها مثلما حدث فى إيطاليا.
الدولة اتخذت خلال الفترة الأخيرة، العديد من الإجراءات الاحترازية، كان آخرها حظر حركة المواطنين من السابعة مساء وحتى السادسة صباحا، إضافة إلى تمديد تعليق الدراسة فى جميع المدارس والمعاهد والجامعات وكذلك تعليق حركة الطيران لمدة 15 يوما أخرى إضافية.
هذه الإجراءات تستهدف وفق أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام «إطالة أمد المرحلة الثانية للفيروس بقدر المستطاع وعدم الدخول فى مراحل جديدة أملا فى الحصول على مصل أو دواء شافٍ لمصابى فيروس كورونا».
الكثير من المؤسسات الصحية العالمية والأطباء والخبراء فى هذا المجال، يؤكدون أن هناك سلسلة من السياسات التى يمكن ان تساهم فى منع انتشار هذا الفيروس بين البشر، تتمثل فى عزل المصابين والتصرف السريع قبل أن تنتقل العدوى إلى السكان، وتنفيذ التباعد الاجتماعى بحسم وعدم السماح بالاختلاط والتجمعات وتقليل الازدحام فى وسائل المواصلات، وتعزيز تدابير النظافة الشخصية.
لكن الإجراء الأهم الذى يمكن أن يمنع الكابوس، أو على الأقل أن يحد من انتشاره فى مصر، هو التوسع فى إجراء الاختبار على أكبر عدد من المواطنين، وهو ما يساهم فى معرفة الوضع الحقيقى لحجم الإصابات فى البلاد.
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، قال: «لدينا رسالة بسيطة إلى جميع البلدان.. اختبر، اختبر، اختبر. يجب أن تكون جميع الدول قادرة، على اختبار جميع الحالات المشتبه فيها. لا يمكنهم محاربة هذا الوباء وهم معصوبو الأعين».
وحذر أدهانوم أيضا من «اختبار الأشخاص الذين يعانون من أعراض شديدة فقط.. فالبيانات الناتجة حينئذ لن تكون موثوقة لإنشاء إحصاءات، وتشجع تلك الممارسة أولئك الذين يعانون من أعراض أكثر اعتدالا على الاستمرار فى نشر الفيروس».
كريس جونسون، أستاذة علم الأوبئة فى جامعة تمبل الأمريكية، قالت لـ«بى بى سى» إن هذا الإجراء ــ التوسع فى الفحص والاختبارــ هو ما أحدث فارقا حقيقيا فى احتواء الفيروس، فقد شهدت الدول التى اعتمدت على الاختبار انخفاض عدد الحالات الجديدة، بينما شهدت الدول التى لم يتم فيها إجراء الاختبار ارتفاعا حادا فى عدد الحالات.
يشير العديد من الخبراء إلى أن ألمانيا تعتبر نموذجا فى هذا الأمر، حيث بدأت بإجراء الفحص المختبرى للكشف عن فيروس كورونا فى مرحلة مبكرة جدا من انتشار الوباء (بعكس فرنسا مثلا التى لم تُجرِ الفحص المختبرى إلاّ على المصابين الذين أبدوا عوارض متقدّمة من المرض). وأُعطت برلين تعليمات للأطباء الألمان بإجراء الفحص على كل شخص يظهر عوارض مرضية قريبة من عوارض الفيروس. كما اعتمدت على «كورونا داريف»، وهو عبارة عن مختبر متنقل يأخذ عينات من الأشخاص وهم جالسون فى سيارتهم ويحلّلها فى أقرب مختبر. هذه الإجراءات السريعة والفعّالة – كما تقول بى بى سى ــ سمحت للسلطات الألمانية بتحديد الأماكن التى تكون نسبة الإصابات فيها مرتفعة واحتوائها قدر المستطاع للتخفيف من سرعة انتشار الوباء.
نعلم علم اليقين هذا الإجراء مكلف للغاية، ويتطلب إمكانات مادية وبشرية هائلة فى مصر، وكذلك مجهود ضخم من وزارة الصحة والقطاع الطبى فى البلاد، لكنه يعتبر الحل الأنجح لوقف تمدد الفيروس، وبدونه لن تصبح للإجراءات والتدابير الاحترازية التى تم اتخاذها منذ بداية الأزمة وحتى الآن أية فائدة تذكر.
فى الماضى القريب، نفذت الدولة سلسلة من المبادرات الصحية المهمة، مثل حملة 100 مليون صحة للكشف عن فيروس سى والأمراض غير السارية، وحققت نجاحا مهما فى وضع ما يمكن وصفه بخريطة كاملة لأوضاع المصريين الصحية.. حاليا ليس هناك من خطر داهم مثل هذا الفيروس الواسع الانتشار، والذى يمكن العمل على احتوائه أو تقليل فرص انتشاره بين البشر، إذا كان لدى السلطات فى مصر خريطة شاملة وبيانات حقيقية وإحصاءات موثوقة عن الواقع الفعلى له، وهذا لن يتأتى إلا بالتوسع فى إجراء الاختبار للجميع.
هذا الأمر يتطلب مبادرة من صانع القرار لإطلاق حملات لتوقيع الاختبار والكشف على كل من يشتبه فى إصابته بالفيروس، وليس من يعانون من أعراض حادة فقط. كذلك يجب أن تكون هناك مساندة مجتمعية لهذه الخطوة، خصوصا من جانب القطاع الخاص، عن طريق تحمل تكلفة الكشف والفحص عن الأشخاص الذين يعملون تحت ولايته.
القضية هنا أكبر من أن يتحجج أى طرف بالتكلفة المادية، لأنها مسألة حياة أو موت.. فهذا الوباء لن يفرق بين أحد، وما زال أمام الجميع فرصة حقيقية من أجل إبعاد خطر هذا الكابوس الذى ينتشر كالنار فى الهشيم فى مختلف دول العالم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved