المحامون-يات والضمير القانوني

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: السبت 27 مارس 2021 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة Prospect مقالا للكاتب ديفيد ألين جرين، يقول فيه إذا كان لكل فرد الحق في الحصول على المشورة القانونية، فمن الضروري أن يتيقن باقي الأفراد من سلوك المحامين/ات الطريق القانوني الصحيح وعدم تضليل المحكمة، مشيرا إلى أن المشكلة ليست في ضمير المحامين/ات وحده، لكن تكمن المشكلة أيضا في ثغرات القانون ذاته... نعرض منه ما يلي.

حق كل فرد في الحصول على المشورة القانونية وتوكيل محام/ية هو حق يسهل الثناء عليه بكل العبارات المجردة والطنانة. هذا الحق حصل على تشجيع ودعم دائمين، بجانب أنه يوفر الدفاع الذي يتذرع به المحامون/يات غالبًا عندما يواجهون ازدراء عامًا لموكليهم أو لمجالات عملهم.
لكن الفكرة أصبحت أكثر إشكالية. حيث تم مؤخرًا انتقاد بعض كبار المحامين الإنجليز لاستعدادهم للعمل مع الحكومات الأجنبية التي تنكر الحقوق. وفي وقت سابق من هذا القرن، قدم بعض المحامين الأمريكيين الغطاء القانوني للحكومة الفيدرالية لممارسة التعذيب. أما في الآونة الأخيرة، سعى محامون أمريكيون آخرون إلى الطعن بالاستئناف حتى يمكن إعدام بعض السجناء والحيلولة دون أي فرصة للرأفة بهم.
إن القول بأن لكل شخص الحق في توكيل محام/ية يعني القول بأن الأنظمة القمعية يجب أن يكون لها الحق أيضًا في توكيل محامين/يات والحصول على المشورة القانونية وأنه لا ينبغي توجيه أي احتقار للمحامين/ات المعنيين.
لكن ليس عدلا وإنصافا أن نقول إن المسؤولية تقع فقط على المحكمة وليس على ضمير المحامي/ة. بالطبع، يكمن الأمل دائمًا في أن تسود العدالة بمجرد عرض القضية على المحكمة، لكن عددًا قليلاً نسبيًا من القضايا يصل إلى المحكمة. فمعظم القضايا المدنية يتم تسويتها حتى قبل رفع الدعوى، وفي القضايا الجنائية هناك دائمًا ضغط كبير على المدعى عليه للاعتراف بالذنب قبل بدء المحاكمة. باختصار، تبدأ جميع الدعاوى القضائية تقريبًا وتنتهي فعليًا قبل الوصول إلى قاعة المحكمة. وبناءً على ذلك، فإن العديد من الذين يرغبون في الحصول على المشورة القانونية هم أولئك الذين يأملون في تجنب حضور جلسات المحاكمة.
ولذلك فإن بعض المظالم لا تتورط فيها المحكمة بل المحامون/يات. فالاختيارات التي يتخذها المحامون/يات فيما يتعلق بـ "لمن سيقدمون النصح والمشورة القانونية وبمن سيمثّلُون" هي السبب المباشر للنتائج غير العادلة، وسيسعون للتذرع باسم العدالة والقانون قائلين "يحق للجميع الحصول على المشورة القانونية"، وذلك لدفع أي لوم أو نقد عنهم.
في المهن الأخرى، هناك عرف سائد مفاداه أنه لا ينبغي للمحترف أن يتسبب في ضرر عن قصد. فبعض الأطباء/ الطبيبات، على سبيل المثال، يعتبرون أن المشاركة في الإعدام باستخدام الحقنة القاتلة انتهاك للالتزامات الأخلاقية. ألا ينبغي أن ينطبق الأمر نفسه على المحامي/ة الذي يبذل كل ما في وسعه لإدانة الأفراد والحيلولة دون الرأفة بهم؟
أو خذ على سبيل المثال شركة متعددة الجنسيات تسعى إلى دعم براءة اختراع لعقار لا يمكن توفيره بسهولة لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليه. أو شركة تأمين تعتمد على سوابق قضائية غامضة لتجنب دفع التعويضات التي تشتد الحاجة إليها. إذن، ما يحدث هو أمر واضح ومباشر: سيعاني البشر بلا داع بسبب قيام المحامي/ة بعمله بمهارة ودهاء. سوف يفقد الناس حياتهم، أو سيعيشون في حالة من الألم، أو سيتم حرمانهم من حريتهم لأن الحكومة أو الشركة ستتمكن من الوصول إلى محامين/ات عديمي الضمير.
لكن ما هو البديل؟ يمكن أن تكون الأمور أسوأ إذا لم يشارك المحامون/يات. فهل سيكون من الأفضل حقًا محاكمة أولئك الذين يواجهون عقوبات شديدة دون مراعاة قواعد الإثبات والنفي؟ هل سيكون من الأفضل عدم تقديم مشورة قانونية للحكومات بشأن مسؤولياتها القانونية؟ ربما سيكون الشيء الوحيد الأسوأ من حصول الأشخاص السيئين على مشورة قانونية جيدة هو أن لا يحصلوا على مشورة قانونية على الإطلاق. فسيستمرون في ارتكاب أشياء فظيعة، ولكن بدون قيود القانون!.
ما يهم ليس القضايا التي يختار المحامي/ة توليها أو الأمور التي يختارون تقديم المشورة القانونية بشأنها. ما يهم هو جوهر ومغزى مهنة القانون والطريقة التي تتم بها تنفيذه. وإذا كان لكل فرد الحق في الحصول على المشورة القانونية، فيحق للبقية منا التأكد والتيقن من سلوك المحامين طريق القانون الصحيح وعدم تضليل المحكمة. فقد يكون للمحامي أي موكل قديم، لكن المحامي لا يخبر المحكمة بأي شيء قديم. حتى المحامي الحزبي مثل رودي جولياني لم يستطع تضليل المحكمة من خلال الادعاء بتزوير انتخابي لموكله دونالد ترامب، على الرغم من أن كليهما أطلق مثل هذه المزاعم بحرية خارج قاعة المحكمة.
باختصار، المشكلة لا تتعلق بالمحامين/ات بل بالقانون. المحامون/ات- أولئك الذين يقدمون المشورة للموكلين/ات- يمكنهم فقط فعل ما يسمح لهم به القانون والإفلات من العقاب. قد يقع اللوم على المحامين/ات في كثير من الأشياء، لكنهم ليسوا مسؤولين عن سن القانون. ومع ذلك، فإن هؤلاء الأشخاص الذين يضعون القانون ويفرضونه- أولئك الذين يمكنهم تغييره- غالبًا ما يكونون أكثر من سعداء لإلقاء اللوم على المحامين. وعندما تلقي باللوم على المحامين، يهرب شخص أكثر ذنبًا من اللوم.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved