الأزمة العالمية: آثار متباينة على البلدان المرسلة لليد العاملة

إبراهيم عوض
إبراهيم عوض

آخر تحديث: الإثنين 27 أبريل 2009 - 6:22 م بتوقيت القاهرة

 مائة مليون عامل وعاملة يعملون فى بلدان غير بلدانهم عبر العالم يشاركون فى النشاط الاقتصادى، وفى خلق الدخل والثروة فى البلدان التى تستقبلهم، وهم ينتقلون إلى هذه البلدان لأنها تفتقد إلى قوى العمل الكافية، سواء لأن حجم السكان فيها ضئيل، أو لنقص العمال فى قطاعات أو مهن بعينها، أو لأن العمال الوطنيين يأنفون عن ممارسة مهن يعتبرونها شاقة أو خطيرة أو مهينة. فى الوقت نفسه يغادر هؤلاء العمال بلدانهم لأنهم لا يجدون فيها فرص العمل، أو لأنها إن وجدت ليست فرصا للعمل اللائق، وهى غير مجزية، أو لا تتناسب مع مؤهلاتهم ومهاراتهم، أو لأنهم لا يتمتعون فيها بحقوقهم كعمال. وكما يسهم هؤلاء العمال فى استثمار الموارد الاقتصادية فى البلدان التى يعملون فيها، فإنهم يحولون مئات المليارات من الدولارات سنويا إلى بلدانهم الأصلية فيشتركون فى تنشيط الاقتصاد وتخفيض حدة الفقر فيها، علاوة على إشباع الاحتياجات المباشرة لذويهم.

الأزمة العالمية يمكن أن تؤدى إلى بطالة خمسين مليون عامل إضافى بحلول نهاية العام 2009، غير أن نتائج الأزمة ليست نفسها على كل العمال المغتربين أو على بلدانهم الأصلية.

بشكل عام العمال الأجانب هم أول من يفقدون فرص العمل. يمكن قبول صحة هذه الفرضية فى قطاعى البناء، والفنادق والمطاعم، التى يتركز فيهما العمال الأجانب فى بلدان الاستقبال جميعها، وهذان القطاعان هما الأكثر تأثرا بالأزمة حتى الآن، وثمة مؤشرات على البطالة التى لحقت عمال البناء المكسيكيين فى الولايات المتحدة، منها مثلا تراجع نسب النمو فى التحويلات المالية إلى المكسيك فى النصف الثانى من العام 2008، إضافة إلى انخفاض عدد العمال المكسيكيين المغادرين إلى الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها، غير أن الفرضية لا تنطبق بالشكل نفسه على قطاع الخدمات الشخصية الذى يتركز فيه أيضا العمال الأجانب، أو على قطاع العناية الصحية. فى هذا القطاع ارتفع التشغيل فى الولايات المتحدة فى الأشهر الأخيرة من العام 2008، ولم ينخفض مثلما حدث فى قطاعات أخرى.

وما خبرته الولايات المتحدة يمكن تصور حدوثه فى نفس القطاع فى بلدان مصنعة أخرى، وترجع خصوصية قطاع العناية الصحية إلى الارتفاع المستمر فى نسب الشيخوخة بين سكان البلدان المصنعة من جانب، وإلى نقص العرض من العمال الوطنيين من جانب آخر، وما يقال عن قطاع العناية الصحية، ينطبق فى حق قطاعى التعليم والبحث العلمى.

وبالشكل ذاته، إن كانت مهن عمال البناء أو الإنتاج مهددة بشكل خاص، فإن مهن المعلم، أو مهندس الاتصالات، أو حرفى الصيانة، قد لا يكون أثر الأزمة عليها كبيرا.

وما يلحق بالعمال الأجانب يتوقف كذلك على ما أنزلته الأزمة من آثار على البلدان التى يعملون فيها. بعض البلدان انكمش الإنتاج فيها بشكل ملموس وارتفعت معدلات البطالة، وقد يكون الانكماش فى القطاعات التى يكثر فيها العمال الأجانب أعلى من معدله فى الاقتصاد برمته، وهذه هى حالة قطاع البناء فى الولايات المتحدة، وإسبانيا، وأيرلندا. أما بعض البلدان الأخرى فإن معدل النمو ربما انخفض فيها إلا أن اقتصادها لم ينكمش.

إجمالا، يمكن القول بأن آثار الأزمة تتوقف على القطاعات التى تشغّلهم، والمهن التى يمتهنوها، والبلدان التى يعملون فيها، هذه الفرضيات الثلاثة يجدر تطبيقها على البلدان العربية التى تغترب نسب معتبرة من قواها العاملة، ولنأخذ حالات مصر، والأردن ولبنان، أمثلة.

للعمال المصريين سوقان إقليميان، الأساسية هى سوق بلدان الخليج، أما الثانوية فهى سوق البلدان الأوروبية، ونحن هنا نترك جانبا الهجرة الدائمة إلى بلدان العالم الجديد. فى بلدان الخليج ينشط العمال المصريون فى المهن ذات المهارات المنخفضة فى قطاع الخدمات، ومن بعده قطاع البناء، وهم يوجدون أساسا فى المملكة العربية السعودية، ثم الكويت، ومن بعدها الإمارات العربية المتحدة، وأبوظبى فيها تحديدا. وبالرغم من اشتداد آثار الأزمة العالمية فى قطاع البناء وفى بعض أفرع قطاع الخدمات، فإن هذه الآثار ليست كبيرة فى بلدان الخليج بفضل الاحتياطيات المالية الهائلة التى راكمتها فى السنوات الأخيرة. تسحب بلدان الخليج من هذه الاحتياطيات الآن وتبقى على دوران عجلة النشاط الاقتصادى. الاستثناء فى الخليج فى دبى لأنه لا نفط فيها راكمت من ورائه الاحتياطيات من جانب، ولانفتاح اقتصادها انفتاحا شديدا من جانب آخر، وهو ما جعل تأثرها بالأزمة فى البلدان المصنعة تأثرا بالغا. غير أن أعداد المصريين فى دبى محدودة، وغالبيتهم من ذوى المهارات المتوسطة والعليا. سيتأثر العمال المصريون فى بلدان الخليج وستتأثر مصر بالتالى من جراء الأزمة، إلا أن هذا التأثر سيكون محدودا لفترة ما على الأقل وسيتخذ الأثر شكل انخفاض فى التحويلات المالية إلى مصر. ليبيا تشغل أعدادا كبيرة من المصريين أيضا، وهى يمكن ضمها إلى مجموعة أسواق العمل الخليجية.

العمال المصريون فى البلدان الأوروبية سيكون تأثرهم أكبر، حيث سيؤدى الانكماش الاقتصادى فى هذه البلدان إلى انخفاض الطلب على العمل عموما. من جانب آخر، قد يتجه العمال الوطنيون، تحت وطأة البطالة المتزايدة، إلى قبول مهن وفى قطاعات كانوا قد هجروها وتركوها للعمال الأجانب، ولقد تواترت الأنباء عن ذلك بالفعل، غير أن الصغر النسبى لحجم اليد العاملة المصرية فى البلدان الأوروبية يجعل من آثار الأزمة فى هذه البلدان على مصر آثارا محدودة نسبيا. الأثر الأهم فى الواقع هو أن السوق الخارجية، سواء فى الخليج أو فى أوروبا لن تستوعب نفس عدد العمال الذين كانوا يغادرون إليها سنويا، مما سيزيد الضغوط على سوق العمل المصرية.

الأردن حالته شبيهة بحالة مصر، وإن لم يكن له عمال فى أوروبا. آثار الأزمة على الأردن من خلال عماله فى الخليج سيكون محدودا إذن، غير أن الأردن بلد مستقبل لليد العاملة الأجنبية كذلك، وهى يد عاملة تتركز فى قطاعات البناء، والخدمات الشخصية، والصناعة التحويلية، فى صناعة النسيج المرتبطة باتفاقيتى التجارة الحرة مع الولايات المتحدة و«الكويز» تحديدا. الانكماش الاقتصادى فى الولايات المتحدة سينشأ عنه انخفاض فى الطلب على الواردات النسيجية من الأردن وهو ما سيؤدى بدوره إلى الاستغناء عن اليد العاملة الأجنبية المستخدمة فى هذه الصناعة، وإلى مضاعفات على بقية الاقتصاد، يتأثر بها العمال الأردنيون والعمال العرب من مصر وسوريا. الأثر المحدود للأزمة رحمة بالأردن التى وصلت تحويلات الأردنيين العاملين خارجها إلى 22.7٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2007.

العمال المهاجرون اللبنانيون موزعون بشكل أكثر توازنا، ومهاراتهم أكثر ارتفاعا. عدم الاعتماد على سلعة أو سوق واحدة يعد مؤشرا على توزيع المخاطر وعلى الحد من آثار التعرض للتقلبات الخارجية.

المفارقة فى حالة الأزمة العالمية الراهنة هى أن التركز فى سوق الخليج أفضل لهذه البلدان من التوزع على عدة أسواق للعمل، لذلك فإن لبنان قد يكون أكثر تعرضا من مصر والأردن لآثار الأزمة على عماله المهاجرين. وجدير بالذكر أن لبنان، بتاريخه الطويل فى الهجرة يعتمد اعتمادا كبيرا على التحويلات من الخارج، التى وصلت إلى نسبة 24.2٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2007.

العامل المخفف لآثار الأزمة على لبنان هو أن عماله المهاجرين متوسطو أو مرتفعو المهارة. غير أن هذا العامل لا يؤتى أثره كاملا فى حالة دبى، فالأنباء تتواتر عن آثار الأزمة على كل مستويات المهارة فى الإمارة، ومع ذلك فإن نتائج الأزمة على تحويلات العاملين فى الخارج قد لا تظهر مباشرة. العمال الذين يفقدون وظائفهم فى البلدان التى لا تسمح ببقاء عامل بغير وظيفة، يعودون بمدخراتهم إلى بلدانهم الأصلية فيحافظون، بل وربما يرفعون من حصيلة التحويلات. عندئذ تتجلى مظاهر الأزمة للوهلة الأولى فى ارتفاع معدل البطالة، خاصة فى مهن وقطاعات العمال العائدين، أما البلدان التى تسمح ببقاء العامل الأجنبى فيها، لفترة من الوقت على الأقل بعد خسارته لوظيفته، فإن التحويلات المالية منها قد تقل.

ستتباين آثار الأزمة من حيث التحويلات والعودة حسب بلد الاستقبال. أما المتوقع فى كل حالات بلدان الإرسال فهو انخفاض التدفقات الجديدة للعمال المغادرين انخفاضا شديدا، خاصة فى القطاعات كثيفة التشغيل، عندئذ ستنكمش أهمية أسواق العمل الخارجية كمنافذ للعمال الجدد المنضمين سنويا إلى القوى العاملة.

فرص تحقق هذا الاحتمال كبيرة، وهو ما يستدعى تركيز الاهتمام على سياسات التشغيل، وهى سياسات ينبغى أن تكون أهدافها زيادة الطلب الداخلى على اليد العاملة وتحسين كفاءة المعروض منها، وتوفير شروط العمل اللائق وظروفه لها.

 
لابد أن تعطى الفرصة للعمال للبقاء فى بلدانهم، يسهمون بجهودهم فى تنميتها، أما الهجرة للعمل فى بلدان أخرى، فيجب أن تبقى خيارا لا تضطر العمال إليه ضرورة تأمين ظروف عيشهم وتلبية احتياجات أسرهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved