الحنين إلى أيام الحرمان

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 27 أبريل 2011 - 9:27 ص بتوقيت القاهرة

ألم يحدث ذات مرة أنك أردت بشدة بعد طول انتظار أن تتحقق من شك من الشكوك أو تكشف سرا من الأسرار وحين تم لك ما أردت انتابك شعور غريب، خليط من الإشباع والندم..؟

الإشباع لأن رغبة كانت تلح تحققت وحرمانا من شىء تمنيت أن تحوز عليه توقف. وأحيانا يكون هذا الشىء معلومة معينة، أما الندم فلأنك حين تحقق لك ما تريد فقدت متعة انتظارها ولذة السعى وراءها سواء كان ما تبحث عنه رغبة حسية أو معلومة أو كشف غموض يلف قضية من القضايا أو حدث من الأحداث.

●●●

قضينا معظم سنوات النشأة والنضوج نهرول وراء المعلومات. كان البحث عن المعلومة يتطلب جهدا وصبرا. كم شقينا فى البحث والانتظار ولم يكن العائد دائما مضمونا.!

كنا نسأل ونتمنى ونحلم بالحصول على إجابة سريعة، وكثيرا ما فشلنا. لم نعرف وقتها أن يوما سيأتى يغالبنا فيه الشوق إلى أيام شقينا فيها بحثا وانتظارا لمعلومة أو إجابة عن سؤال أو حدث لا يريد أن يقع.

صدق من قال إن المعلومة أو الإجابة عن أى سؤال أو استفسار صارت عند أطراف أناملنا، لا يفصل بيننا وبينها سوى «نقرة» click على جهاز الكمبيوتر. ولفرط اعتيادنا على توفر المعلومات والإجابات والأحداث أصبحنا نردد كالأطفال ونزن كما يزنون «نريد ما نريد ونريده فور أن نريد».

لم يعد فى طاقتنا شبابا كنا أم كهولا، تحمل صبر البحث والانتظار طويلا. نريد مشاهدة أفلام سينمائية ليس فقط حسب الطلب ولكن فور الطلب. صارت كل رسائلنا العاطفية والرسمية رسائل فورية فى الذهاب وفى الإياب. نسأل السؤال فيأتينا الجواب ملحقا بالسؤال لا يفصل بينهما وقت ولا مساحة ولا مسافة. نسأل فنجاب.

تلازم السؤال والجواب وبالتالى لم يعد يلازمنا الإحساس بالحرمان وما كان يصاحبه من اكتئاب وقلق وتوتر فى زمن كان الحصول على ما نريد دونه المشقة والتعب.

لا نشعر بالحرمان. ولكن البعض منا يشعر بما يشبه الخواء، يشعر بأنه كمن كان يؤدى وظيفة مهمة باعتباره كائنا حيا وإنسانا وفقدها وفقد معها وقتا ممتعا كان يقضيه فى السعى وراء الحصول على معلومة أو إجابة عن سؤال؟.

●●●

أخيرا عرفنا أن الرغبة فى شىء تكون أحيانا أفضل من إشباعها. ما أكثر ما سمعناه من تحذيرات الأهل والمعلمين عن سلبيات الاعتماد على أساليب سهلة للحصول على ما نريد، من محفزات لبذل الجهد والعرق للوصول إلى من وما نرغب فيه. وقتها لم ندرك قيمة هذه التحذيرات والمحفزات.

الآن أدركنا. عدنا نقدر مغزى وقيمة وروعة انتظار ما نريد، عدنا نتذكر سعادتنا ونحن نقرأ منبهرين روائع من نوع التوقعات الكبرى ودون كيشوت ومدام بوفارى، وكلها حافلة برغبات لم تشبع وانتظارات لم تنته وأحلام تتجدد قبل أن تتحقق، وفى بعضها مات البطل أو البطلة ولم يتم له ما أراد.

غالبا ما كانت الكلمات أقصر وسيلة لكسب رضاء الطرف الثانى فى الحب. ما أحلى أن يقول الفتى لفتاته أحبك حبا عميقا كعمق هذا النهر.

أو أن يقول لها أحبك بحجم هذه السماء المترامية ونجوماتها وبحجم هذا البحر الشاسع وسمكاته.

ما أحلى أن تقال هذه الكلمات فى عصر كان الشبان يتألقون فى إلقاء عبارات المديح والإطراء، ولم يكن فى وسع الطرف الآخر ولا هو راغب فى اختبار درجة الصدق فيما يسمعه.

أسر لى أحد الشباب بخجل بأن هذا النوع من الغزل البرىء فقد جانبا من عاطفيته ورقته بعد أن أصبح ممكنا بنقرة معرفة عدد النجوم ومساحة البحر وعمق النهر، وربما عدد الأسماك السابحة فيهما.

تخيل فتى يقول لفتاة أحلامه «أحبك حبا بعمق المحيط» فيترجمها عقلها المعلوماتى «أحبك حبا بعمق أربعين ألف فرسخ».

نحن بشر، وكبشر لابد أن نذكر أشياء وننسى أشياء. أما أن نكون بشرا لا يحق لهم أن ينسوا، فهذا ولا شك لتطور غريب. نريد أن نحتفظ بحقنا فى أن نشقى ونبحث ونتعب لنحصل على إجابة أو معلومة جديدة.

نريد أن تلفنا أحيانا سحابة غموض وأن نعود للاستمتاع بلذة وآلام انتظار معلومة أو اجترار فكرة ابتكرناها ذات يوم واستعادة لحظة عشناها ذات ليلة.

●●●

كثيرون من نساء مصر ورجالها انتظروا طويلا نشوب هذه الثورة. بعضهم ناضل والبعض نال قسطا من عذابات المعتقل، وبعض آخر تشرد فى أرجاء الدنيا وعديد قضوا السنوات يحلمون. أرادوا الثورة فكان لهم ما أرادوا.

نشبت الثورة فانتهى الانتظار الممتع. أكاد أسمع البعض يردد قول حكماء عصر آخر «أحيانا تكون الرغبة فى تحقيق شىء أفضل كثيرا من الحصول عليه».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved