مجلس التعاون ومحنة الأمة العربية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 27 أبريل 2016 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

لماذا نزج بمجلس التعاون الخليجى فى كل مقال أو حديث عن ساحة السياسة فى كل بلاد العرب؟ لأنه ليس أمامنا الآن، الآن وليس الماضى أو المستقبل، مصر عبدالناصر أو جزائر الثورة أو عراق حماية البوابة الشرقية أو سوريا دعم المقاومة الفلسطينية.

ثم إننا سنكون مخطئين ألا نرى فى المرآة العربية الحالية صور تناقضات شبه الإفلاس أمام صور شبه الفوائض، صور شبه الاستقرار السياسى والأمنى أمام صور كوابيس الصراعات والحروب وخراب المدن المهدمة وجحافل قوى التكفير الهمجى وملايين المهجرين الهائمين فى الداخل والخارج، صور مجلس التعاون الواقف على رجله وإن كان يعرج ويرتكب الأخطاء أحيانا، ولا يمتلك وهج الاندماج القومى المسئول أمام صور الجامعة العربية المسجى هيكلها المحتضر بقرب قبرها الذى يتم حفره من قبل قوى الشر فى الخارج والداخل.

فإذا أضفنا الغياب التام فى تلك المرآة للأشخاص التاريخيين، الذين تحتاجهم كل أمة تعيش فى محنة، وأضفنا إضعاف الدولة العربية لقوى مجتمعاتها المدنية عبر العصور، وزدنا على كل ذلك وجود المخزون التاريخى الهائل فى مجتمعات العرب الذى يجعلها قابلة للانقسامات والمشاحنات العبثية حول الدين والمذهب والعرق والسياسة، إذا أضفنا كل تلك الأمور لبعضها البعض فإننا سننتهى إلى مشهد الغريق، الذى سيقبل بأى شىء ينجيه من الغرق، وأمة العرب الآن تواجه إمكانية ذلك المصير.
من هذا المنطلق يجب أن نقرأ بيان وقرارات اجتماع القمة الخليجى فى الرياض بحضور العاهل المغربى والرئيس الأمريكى، والذى كنا نتمنى لو أن تونس حضرته، إذ لديها الكثير لتعلمه للآخرين. إن البيان إيجابى إذا كانت قراراته ستنفذ.

***
فإذا كان مجلس التعاون بالفعل مقتنعا بأن الخروج من جحيم الأوضاع السياسية والأمنية فى سوريا وليبيا واليمن والعراق يجب أن يكون من خلال الحلول السياسية، وليس من خلال انتصارات وهزائم الجيوش والميليشيات وبعض السياسيين العابثين، فعلى المجلس أن يشرع فى تثبيت ذلك فى الواقع، وأن يتوافق القول مع الفعل.

إن ذلك سيعنى التوقف النهائى، فى الحال، عن تزويد أية جهة كانت بالسلاح والعتاد والتدريب والإدماج فى أجهزة الاستخبارات ودفع الرواتب للمحاربين، وأهليهم، كما يفعله البعض مع الأسف.

وفى الوقت نفسه سيعنى ذلك انتقال مجلس التعاون ليصبح أداة تقريب فى وجهات النظر، واقتراح حلول براغماتية مرحلية، وتقديم دعم مالى سخى للضحايا، ومساعدة فى إعادة إعمار ما سببه الجنون، والمساهمة الفعالة فى دحر الهمجية الجهادية التكفيرية التى لم تبق أحدا إلا وآذته، والضغط من خلال أية أدوات فى يدها، بما فيها ثروة البترول، على القوى الخارجية، سواء الإقليمية أو الدولية، للتوقف عن التدخل فى شئون أمة العرب، وأخيرا المساعدة فى أية جهود لتقوية الجامعة العربية لتصبح أداة فاعلة وقادرة لتقوم بدورها المطلوب فى حل المشكلات العربية بأيادٍ عربية بعيدة عن تدخلات الخارج.

هناك دور كبير يمكن لعبه، لكن دعنا هنا ندخل فى موضوعين شائكين، الأول هو أن الجهة التى لا تستطيع حل مشاكلها مع مجتمعاتها وشعوبها لن تستطيع المساهمة فى حل مشاكل الآخرين، ومطلوب من مسئولينا الانتباه لذلك.

أما الموضوع الثانى فيتعلق بسعر البترول، إن القيمة المعنوية لدول مجلس التعاون تعتمد على استعمالها لقدراتها المالية فى إعادة الإعمار وتخفيف الويلات البشرية عبر وطنها العربى كله.

من هنا فإن بقاء أسعار البترول فى مستواها الحالى سيعيق تلك المهمة، إن الجميع يعلم بأن دول مجلس التعاون تستطيع أن تلعب دورا محوريا فى لعبة الكميات المستخرجة يوميا من البترول، وبالتالى فى رفع أسعاره.

إن لعب ذلك الدور المحورى يعتمد على امتناع الجميع عن زج موضوع البترول فى مماحكات السياسة لإضعاف هذه الدولة أو تلك أو معاقبتها، سواء على المستوى العربى أو الإقليمى أو المستوى الدولى.

إن هناك اتهامات من أن بعض الجهات داخلة فى هذه اللعبة الخطرة. فإذا كان مجلس التعاون يريد أن يساهم فى حل مشاكل الأمة العربية فعليه أن يلعب دوره الإيجابى لإبعاد البترول عن ألعاب السياسة، بل أن يلعب دوره الوطنى فى أن لا يسمح لثروته البترولية أن تكون أداة من الأدوات، التى تستعملها بعض الدول الكبرى فى صراعاتها مع بعضها البعض وفى محاولات الهيمنة على العالم.

مواجهة الموضوعين السابقين سيسهلان مهمة المجلس فى تقديم المعونة الممكنة والمطلوبة لأمته.
***
هناك قول للجنرال الفرنسى شارل ديجول مؤداه إن لكل الأمور المجتمعية طبائع يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند وجود مشاكل مجتمعية كبرى تحتاج إلى حلول كبرى. ولما كان من طبائع الأمور فى حياة أمة العرب، والتى يؤكدها التاريخ والجغرافيا والقدرات البشرية وبديهيات السياسة، هو أن قوتها وتحررها واستقلالها وبناء وحدتها ومكانتها فى العالم يعتمدون اعتمادا مفصليا على مقدار صحة وتعافى وقوة أقطار عربية من مثل مصر والعراق وسوريا والسعودية فى المشرق العربى ومن مثل الجزائر والمغرب فى المغرب العربى. وليس ذلك محاولة لإنقاص مكانة وأهمية أحد، فالكل يلعب دوره فى بناء أمتنا ووطننا، وإنما تذكير بطبائع الأمور فى الواقع العربى وبثقل الدور الذى حملته وتحمله تلك الأقطار فى تاريخ وحاضر العرب.
من هنا الأهمية القصوى لأن يلعب مجلس التعاون دورا فاعلا، إيجابيا وحذرا وحكيما، فى الساحة العربية التى تريد لها الصهيونية والتدخلات الخارجية والألاعيب الإقليمية أن تكون ساحة تراجع حضارى يحرق الأخضر واليابس.
لن تكون مهمة المجلس سهلة، ولكنه يستطيع أن يسعى ويجرب.


مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved