الشباب العرب والأمل والفعل

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 27 أبريل 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

منذ بضعة أيام كان لى لقاء مع مجموعة من الشباب فى أحد أقطار الوطن العربى. كان الهدف بحث تحديات الحاضر العربى والاستجابات الممكنة لمواجهتها.
لم يكن اللقاء سهلا فقد كانت مجموعة شباب متُقدى الذكاء واسعى الثقافة السياسية، وبالتالى لدى أفرادها القدرة على التساؤل والتحليل والنقد.
بعد ساعتين من الحوار، وليس المحاضرة، انقلبت مشاعر الإحباط عندى إلى تزاحم الأمل والإشفاق والإعجاب والاعتزاز. تذكرت بوعزيز تونس وملايين البشر. فى ساحات مدن العرب بلا خوف ولا رأس منكس، والعيون والوجوه تعكس ملامح فجر جديد يبدد ظلام قرون من اليأس والخوف وقلة الحيلة.
***
توصلنا جميعا إلى الحصيلة التالية: هناك ثلاثة تحديات تفرض وجودها وخطرها على الحاضر، وهناك ثلاث منطلقات يجب أن تحكم كل استجابة لمواجهة تلك التحديات، وهناك منهجية عمل لإحباط التحديات ولإعلاء شأن تلك المنطلقات.
أما تحديات الحاضر الذى تعيشه الأمة العربية، والتى يجب أن نتعامل معها كأولويات فى فكرنا وعملنا السياسى الحالى اليومى فهى:
أولاَ: تحدى الوجود المذهل للاستعمارين الصهيونى والغربى فى حاضر حياة العرب. أما التحدى الاستعمارى الصهيونى فيتمثل حاليا فى الصعود الغريب لقبوله كظاهرة يمكن التعايش معها من قبل العديد من أنظمة الحكم العربية، بل ومن قبل الكثير من مؤسسات المجتمع المدنى العربى. فما عاد الوجود الصهيونى فى فلسطين خطرًا وجوديا واستعماريا استيطانيا اجتثاثيا يخطط للهيمنة الاقتصادية والسياسية والأمنية على كل الأرض العربية.
أخطر ما فى الأمر تنامى ثقافة التطبيع المتدرج مع هذا العدو، بدءا بالتنسيق الأمنى وانتهاء بالحديث عن الاتفاق على استراتيجية عربية صهيونية، برعاية أمريكية، لمواجهة ما يسمى بالأخطار والأعداء المشتركين.
أما التحدى الاستعمارى الغربى الكلاسيكى فهو التوجه القوى عند عدد كبير من الأقطار العربية لعقد اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات مع العديد من الدول الأوروبية ومع الولايات المتحدة. وهى تفاهمات تسمح بالوجود العسكرى للجيوش الأجنبية فى كثير من الأقطار العربية وتسمح عند البعض بانقلابنا إلى وكلاء لتنفيذ سياسات غربية مشبوهة، ولإشعال الحرائق فيما بين الحكومات والشعوب ولترسيخ الصراعات الطائفية المذهبية والعرقية.
لقد ضحى العرب منذ عشرينيات القرن الماضى لإخراج الاستعمار وللحصول على الاستقلال الوطنى ليفاجأوا الآن بعودة أشكال لا تعد ولا تحصى من الوجود الاستعمارى فى بلادهم.
ثانيا ــ تحدى ظاهرة الجنون الجهادى التكفيرى العنفى الذى ادخل العرب والمسلمين فى مواجهات لا تنتهى مع بقية العالم من جهة، وقاد إلى دمار العديد من مدن ومجتمعات العرب التاريخية المحورية.
إنه تحد فاشستى مرعب خطر بالغ التعقيد، يستعمل الدين لخدمة السياسة، ويقرأ رسالة الحق والقسط والميزان الإسلامية بصور متخلفة متزمتة ستؤدى إلى تهميش أتباع هذا الدين فى العالم كله.
ثالثا ــ تحدى المآل الذى وصلت إليه حراكات وثورات الربيع العربى. فالربيع العربى بدأ كحراكات جماهيرية هائلة، رفعت شعارات ديمقراطية وإنسانية ابهرت العالم، ليواجه أشكالا من الانتكاسات الطبيعية والمصطنعة. لكن بدلا من تصحيح الأخطاء ومعاودة النضال السلمى لتحقيق شعارات ذلك الربيع هناك محاولة إعلامية كبيرة لاجتثاث منطلقات الربيع الشعورية والفكرية وإحلال مكانها مشاعر اليأس والشك فى الشعارات التى طرحت، وقبول خرافة بأن العرب غير قابلين للانتقال إلى الديمقراطية أو لدخول العصر.
إنها ثقافة التراجع وإدارة الظهر للمستقبل والشعور بالنقص النفسى التاريخى، والعودة إلى فهم القضاء والقدر الذى نشره الحكم الأموى وترسخ فى الثقافة العربية حتى يومنا هذا.
التحدى يتمثل فى بقاء الروح الجماهيرية المتمردة على الفساد والظلم، المتطلعة إلى عوالم الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وفى عدم قبول منطق الذين يريدون إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وفى عدم قبول منطق تدمير الأحلام والآمال باسم التباكى على الأخطاء والهفوات وقلة الخبرة عند شباب هذه الأمة.
***
اتفقنا على أن تلك التحديات تحتاج إلى إيمان بمنطلقات تتوجه إلى دحر جحيم تلك التحديات.
اتفقنا بأن المنطلق الأول هو الإيمان التام بأن دحر تلك الأهوال الجديدة يحتاج إلى نوع من وحدة الأمة. وبالتالى فإن شعار الوحدة العربية يجب ألا يموت، وأننا يجب ألا نستمع إلى صوت الناعقين بأن شعار الوحدة العربية هو خيال وأحلام وهلوسات.
اتفقنا بأن المنطلق الثانى هو عدم التراجع عن شعار الانتقال إلى الديمقراطية وعن الإصرار على البدء بترسيخ الأسس التى تقوم عليها الديمقراطية، من حرية ومواطنة وعدالة ومساواة وغيرها، فى حياة العرب.
اتفقنا بأن التحديات الثلاث هى فكرية فى جوهرها، ولذا فهناك حاجة لتيار كبير يراجع الثقافة العربية ويحللها وينقدها، إذ إن هناك نقاط ضعف كثيرة فى تلك الثقافة، سواء الجوانب التراثية أم جوانب فكر العصر الذى نعيش.
اتفقنا أخيرا على أنه بدون تنظيمات ومؤسسات مدنية سياسية واقتصادية وثقافية ومهنية تناضل من أجل تحقيق ما اتفقنا عليه فى الواقع، فإن مآسى العرب لن تنتهى. وعليه فمهمة الشباب لا تقتصر على الاقتناع والأقوال وإنما أيضا يجب أن تنتقل إلى الأفعال.
***
فى نهاية الجلسة قلت لنفسى: أية أم عربية عظيمة تلك التى لا تمل ولا تتعب من إنجاب جيل عربى بعد جيل، هو أيضا لا يكل ولا يتعب من حمل رسالة التغيير والصعود.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved