السودان والدور المنتظر

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 27 أبريل 2023 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

منذ خمسة أيام أعلن عن مصرع الدبلوماسى محمد العزاوى، مساعد الملحق الإدارى بسفارة مصر بالسودان، الذى يخوض اليوم حربا طاحنة بين الجيش وميليشيا الدعم السريع.

ليس سرا، أن هناك حساسية دوما من دور مصر فى أى شأن سياسى سودانى منذ زمن بعيد، الأمر الذى يجعل الموقف المصرى يتردد بعض الشىء فى التدخل السياسى لتسوية الخلاف داخله.

خلافا لما يقوله بعض السودانيين عن أن مصلحة مصر تاريخيا أن تضع يدها بيد العسكريين، فهذا الأمر لا يبدو صحيحا دوما. فعلاقات مصر مع القوى المدنية ليست بالسيئة، بل كانت متميزة مع الخاتمية بالسودان وذراعها السياسى الحزب الاتحادى الديمقراطى، وهذا بالطبع لا ينفى أن العسكريين أنفسهم الذين هيمنوا على الحكم فى هذا البلد لفترة طويلة، منذ استقلاله، كانوا هم من ساهموا فى ترسيخ هذا الاعتقاد.

المؤكد أن دور مصر السياسى رغم كل ذلك مطلوب، بل وملح، من غير الملائم أن تترك الساحة لبلدان لا تربطها بالسودان نصف، وربما أقل، ما يربطها بمصر. كما أنه من العجيب أن يترك السودان، المهدد بتحول صراعه إلى حرب قبائل أو حرب أهلية، إلى إسرائيل التى استغلت الظرف القائم لمحاولة التدخل، وهى الكيان الغاصب الذى بنى أيديولوجيته على تفكيك الموحد، وتفتيت المفكك. فما بالنا بمصر، التى لا يهمها بداية غير وحدة السودان وسلامة أراضيه، ووحدة ترابه الوطنى.

مع الفارق الشديد، لمع فى السابق الدور المصرى منذ أكثر من ثلاثة عقود فى الصراع العربى الإسرائيلى بحلقاته المتواصلة، عقب كل عدوان همجى يشن على غزة دوما أو الضفة الغربية أحيانا، وقتها كانت تلك الاعتداءات تبدو أخف من تلك التى تدور بالسودان، وكانت مصر تنتفض للتدخل بدون دعوة من أطراف الصراع، ألا يستدعى مشهد السودان الحالى والمؤسف التدخل العاجل لإنقاذ الموقف الملتهب، لاسيما وأنه قابل للتفاعل بشكل أكثر حدة، مما يهدد وحدة هذا البلد، ومن ثم تأثير كل ذلك سلبا على أمن مصر القومى.

إن تفكك البلاد فى تلك الظروف ليس بعيدا، لاسيما وأن معطيات ذلك التفكك موجودة، سواء فى الغرب الملتهب فى دار فور، أو الشرق الذى سيحاكى الغرب وإقليم الوسط والجنوب. وبالطبع، فإن مناخ التفكك هذا سيكون مصاحبا تماما لمحاكاة الدول الفاشلة فى الإقليم، وهما الصومال وليبيا تحديدًا. هذا الفشل ينذر بتفشى جماعات الإرهاب، التى تجد فى هذا المناخ تربة صالحة للاستشراء والانتظار بشكل سهل وبلا أى عناء للثوب إليه، عندئذ سيكون تدخل مصر لرأب الصدع والمحافظة على هذا البلد مكلفا للغاية، بسبب فاتورة مواجهة الإرهاب القادم، سواء من القاعدة التى توعد أبو حذيفة السودانى فى نوفمبر الماضى للاستعداد لاستغلال أية ثغرة للعودة، وقد أتت اليوم ثغرات وليس ثغرة واحدة، ناهيك بالطبع عن داعش المستفحل نشاطه أفريقيا عقب خروج فرنسا من مالى، وكذلك زيادة شوكة حركة شباب الصومال المنتمية للقاعدة. إذا أضيف إلى كل ذلك موجات هجرة غير نظامية متوقعة تجاه مصر، بل وأيضا موجات هجرة نظامية لمن هم فوق الـ ٦٠ عاما وفقا للاتفاقات الموقعة بين البلدين، لاكتملت الصورة. 

أمر مهم لا يبدو أنه يحتاج إلى تذكير، وهو أن هناك عديد الاتفاقات بين مصر والسودان، مرتبطة بترشيد مياه النيل، والتجارة البينية بين البلدين، ورغبتهما فى استغلال الثروة الزراعية والحيوانية الكبيرة كى يعم الرخاء على الشعبين. مهم كذلك التذكير بموقف البلدين إزاء مشكلة سد النهضة الإثيوبى، وديدن تلك الأخيرة باستغلال أى أحداث داخلية فى دولتى المصب لصالحها، ودون أى اكتراث لمصالح الغير. كل ذلك إضافة إلى الطلبة المصريين العالقين بسبب الأحداث. 

كل تلك الأمور تستدعى بذل مساعٍ حميدة وعاجلة بين الفرقاء، قبل أن يدق ناقوس الخطر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved