هزيمة الثورة فى انتخابات الرئاسة.. هل تكون مؤقتة؟

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 28 مايو 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا يملك المراقب المنصف إلا أن يرى أنه على الرغم من النجاح فى إرساء بعض قواعد الديمقراطية الإجرائية فى مصر فى انتخابات الرئاسة الأخيرة إلا أنه من حيث الجوهر تمثل هذه الانتخابات هزيمة مؤكدة لمعسكر الثورة. فقد قاطع نصف المصريين ممن لهم حق التصويت هذه الانتخابات، فلم يحصل المرشحون المنتسبون لمعسكر الثورة على أكثر من ثلث الأصوات إلا بقليل، وتصدر قائمة المرشحين للإعادة واحد من حزب الحرية والعدالة والذى تباعدت المسافات بينه ومعسكر الثورة بعد الثورة تدريجيا حتى وصل الأمر إلى تنظيم مليونية ضد هذا الحزب وكل التيار السياسى الذى ينتمى إليه، ولكن ما يسبب أكبر قدر من الإحباط لمعسكر الثورة هو أن الذى تلاه على قائمة المرشحين وبفارق لا يتجاوز 36 ألف صوت هو المرشح الذى سخر من الثورة والثوار، ووعد بتنظيف ميدان التحرير منهم، وأعرب علنا عن أن حسنى مبارك الذى أطاحت به الثورة هو مثله الأعلى. فهل تبقى هناك علامات أقوى دلالة على أن تلك مؤشرات لهزيمة الثورة، ويبقى السؤال المهم هو كيف يمكن تحويل هذه الهزيمة إلى عارض مؤقت، بدلا من أن نواصل البكاء على اللبن المسكوب، ونهرب إلى تصورات المؤامرة على الثورة، والتى من شأنها أن تحول هذه الهزيمة إلى هزيمة دائمة.

 

وحتى يكون حكمنا على الأمور موضوعيا ومتوازنا لا يمكن إنكار المكاسب التى حققها الشعب المصرى بعد الثورة وبفضل شهدائها من إرساء قواعد الديمقراطية الإجرائية، والتى تدعمت فى هذه الانتخابات الرئاسية بأكثر مما كان عليه الحال فى ظل الاستفتاء على التعديلات الدستورية وانتخابات مجلسى الشعب والشورى. كانت الانتخابات الرئاسية تنافسية بالمعنى الصحيح ومفتوحة لكل القوى السياسية، ولعب القضاء دورا فعالا فى ضمان الالتزام بالمعايير القانونية للانتخابات، وزاد وعى المصريين بضرورة احترام ضوابط الدعاية الانتخابية وأماكنها وأوقاتها الصحيحة، وكاد ينعدم دور أجهزة الدولة فى تزوير إرادة الناخبين بحسب ما نعلمه حتى الآن، وأخيرا كانت عملية فرز الأصوات هى بكل تأكيد الأكثر شفافية فى تاريخ كل الانتخابات المصرية وعلى نحو يدعو للفخر. هذا كله لا يعنى أنه لم تكن هناك انتهاكات، وخصوصا من حيث شراء الأصوات والتصويت الجماعى ومحاولة التأثير على إرادة الناخبين يومى الانتخابات بممارسة الدعاية والحشد أمام مراكز الاقتراع, كما لم يخل الأمر من محاولة بعض الموظفين المشرفين على الاقتراع من توجيه الناخبين لصالح مرشحين معينين، ولكن هذا كله لا يقلل من حجم وقيمة التقدم المحرز فى تثبيت قواعد الديمقراطية الإجرائية وترسيخها فى عقول ووجدان المواطنين كعنصر أساسى فى ثقافتهم السياسية.

 

 

ملامح الهزيمة

 

ومع ذلك كله لا يمكن تجاهل الشعور السائد بين انصار ثورة يناير من الشباب وسائر المواطنين من أن نتيجة الانتخابات تمثل هزيمة لثورة يناير، من نواحى عديدة أكتفى بذكر ثلاث منها: وأولاها بكل تأكيد هو قلة المشاركة فى هذه الانتخابات، والتى تصور البعض قبلها أنها ستكون الأعلى بالمقارنة بالانتخابات السابقة، وتكشف تصريحات رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية أن نسبة المشاركة كانت تدور حول 50%، وأنها وصلت إلى 63% فى المناطق الحضرية وانخفضت إلى 40 % فى الريف. وهذا يعنى أن نصف الناخبين تقريبا، وخصوصا فى الريف لم يروا فى هذه الانتخابات ما يثير اهتمامهم، على الرغم من  الحملات المكثفة التى قام بها المرشحون، وخصوصا الخمس الذين حصلوا على أعلى الأصوات، والمبالغ الهائلة التى أنفقوها على الدعاية الانتخابية، واحتفاء قنوات التليفزيون العامة والخاصة بهذه الانتخابات، بل وكثرة حديث المواطنين عنها. انصراف نصف الناخبين عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع على مدى يومين يكشف أن هناك مصر أخرى لا نعرفها لا تلقى بالا لأحاديث النخبة عن الانتخابات والدستور وإعادة تشكيل الحكومة وبرنامج النهضة وتحالفات المرشحين المختلفة. وقد ظهرت مصر الأخرى فى قيام المواطنين فى بعض القرى بإغلاق الطرق المؤدية إلى مراكز الاقتراع لأنه لا يتوافر لهم الماء النقى أو لأنهم غارقون فى وسن المجارى. هذا الاحتجاج السلبى على الانتخابات هو بكل تأكيد هزيمة للدولة المصرية التى أهملت الحاجات الأساسية لهؤلاء المواطنين، ولكنه هزيمة للثورة أيضا التى قامت لتعطى هؤلاء المواطنين الأمل أنهم يمكن أن يغيروا أوضاعهم من خلال صندوق الانتخاب، وها هم من خلال هذه الاحتجاجات، والتى لم تكن استجابة لدواعى المقاطعة التى أطلقتها بعض الجماعات الثورية، والتى لم تصل إليهم، يرسلون رسالة واضحة لكل المنشغلين بقضايا الانتخابات بمن فيهم القيادات التى تصف نفسها بالثورية: «نحن لا نعبأ بكم ولا بمهرجاناتكم الانتخابية».

 

الملمح الثانى للهزيمة هو خسارة من انتسبوا إلى معسكر الثورة، فعلى الرغم من التفاوت الهائل فى عدد الأصوات التى حصل عليها كل منهم، إلا أن أكثرهم توفيقا من الناحية العددية لا يتنافس على مقعد الرئاسة فى الجولة الثانية. ومع أن الآمال تعلقت بتمكن حمدين صباحى فى اللحظات الأخيرة من فرز الأصوات من النفاذ إلى الموقع الثانى، فقد خاب هذا الرجاء ولم تفلح أصوات المراكز الحضرية الكبرى فى القاهرة والإسكندرية وبورسعيد من تمكينه من تخطى الفارق بينه وأحمد شفيق، وتراجع عبدالمنعم أبوالفتوح إلى المركز الرابع، ولم تتجاوز أصوات خالد على وهشام البسطويسى وأبوالعز الحريرى بضعة آلاف من الأصوات لكل منهم. وهكذا كان كل نصيب رموز ثورة يناير من أصوات الناخبين أقل من خمسى هؤلاء الناخبين، هل انحازت أغلبية الناخبين  للخارجين صراحة أو ضمنا عن معسكر الثورة؟ هل يمكن اعتبار نتيجة هذه الانتخابات على هذا النحو رفضا من الأغلبية النشطة للثورة ككل أم لأساليب الثوار؟

 

هنا يلزم التدقيق. الدكتور محمد مرسى ومعه حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين يعتبرون أنهم ليسوا فقط من قوى الثورة، بل إنهم فصيلها الأساسى وأنه لولا تواجدهم مع من أخذوا المبادرة بالدعوة للخروج يوم 25 يناير، ودفاعهم عنها يوم 2 فبراير لما نجحت الثورة. سوف ينشغل الباحثون كثيرا بتقصى أبعاد دور الإخوان المسلمين فى ثورة يناير والأهمية النسبية لما قام به شباب الإخوان وسائر التنظيم. ولكن المؤكد أن الفراق قد تم فى أعقاب الثورة بين الإخوان والسلفيين من ناحية والجماعات الثورية صاحبة المبادرة فى الدعوة للثورة من ناحية أخرى، ولا ينظر الآخرون إلى الإخوان والسلفيين إلا أنهم قد ركبوا موجة الثورة وسعوا للانفراد بتوجيه مسار الأمور فى مصر على نحو يتجاهل تماما رؤى هؤلاء الثوار. وحتى لو افترضنا أن الإخوان أحد فصائل الثورة، فقد تقلص الـتأييد الذى حصلوا عليه هم بدورهم من 47% فى انتخابات مجلس الشعب إلى ما يتجاوز بقليل 25% من الأصوات، أى أنهم خسروا قرابة نصف نسبة الأصوات التى حصلوا عليها منذ شهور قليلة.

 

ولكن أقسى ملامح الهزيمة لفكرة الثورة هو تلك الأصوات التى حصل عليها آخر رئيس وزراء عينه مبارك والذى لم يخف إعجابه بمبارك واستهزاءه بالثورة أثناء توليه السلطة وبعدها.  وطبعا سوف تجتهد العقول والأقلام فى بحث أسباب الصعود المفاجئ لأحمد شفيق، على الرغم من كل ما وجه له من اتهامات، وما تعرض له من إهانات، يبدو أنها ساهمت فى زيادة التعاطف الشعبى معه. طبعا سوف تظهر نظريات المؤامرة، وأنه كانت هناك خطط سرية لإنجاحه توافق عليها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما لم يقم عليه دليل حتى الآن. وسوف يكون من الخطأ أن يجنح الثوار إلى مثل هذا التحليل. الانطباعات المتوافرة تشير إلى أن التأييد لأحمد شفيق جاء من قطاعات متعددة, منها النخبة الاقتصادية والاجتماعية فى مصر، ومنها المواطنون الذين يرون فيه حائط صد ضد التيارات الدينية من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وإن كان شباب المسيحيين قد مالوا فيما يبدو لحمدين صباحى، ومنها مواطنون عاديون وفقراء يرون فيه ضمانا لعودة الأمن، والذى عاد بالفعل بدرجة كبيرة، وأنه هو الذى سيعيد النشاط الاقتصادى إلى سابق عهده.

 

 

هل كان للثوار دور فى هزيمتهم؟

 

وأخيرا ونحن منهمكون فى تحليل أسباب ما يبدو وكأنه هزيمة للثورة، لا ينبغى على من شاركوا وآمنوا بأهداف ثورة يناير أن يتجاهلوا أنه كان للثوار أنفسهم دور فى  تخويف المواطنين من الثورة وإبعادهم عن رموزها وكل ما يمت لها بصلة. أذكر عن ماوتسى تونج قائد الثورة الصينية والذى حمل السلاح ضد الديكتاتورية العسكرية لحزب الكومنتانج والمحتل اليابانى وقائد حرب التحرير فى الصين، انه نصح الثوار بالحفاظ على أفضل العلاقات مع جماهير الشعب، واصفا علاقة رجال حرب التحرير الشعبية بالجماهير بأنها مثل علاقة السمك بالماء، فالجماهير هى البيئة الطبيعية الحاضنة للثوار المسلحين. هل راعى ثوارنا هذه النصيحة التى جاءت من قائد أكبر حركة ثورية فى القرن العشرين وربما فى كل القرون. هل كان ذلك هو ما استرشدوا به وهم يكررون الدعوة للاعتصام فى ميدان التحرير ويمارسونه دون أن تكون هناك أهداف متفق عليها وواضحة للمواطنين. وهل كان ذلك فى حسبانهم عندما انضموا إلى أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل فى اعتصام العباسية. ألم تكن مثل هذه الأفعال سببا لانصراف المواطنين عنهم وعن أساليب الثورة ورموزها. طبعا حشود التحرير كانت مطلوبة وضرورية للاحتجاج على تقاعس المجلس العسكرى فى تحقيق أهداف الثورة فى يوليو الماضى، وكانت مطلوبة للاحتجاج على خروج الإخوان المسلمين عن قيم الثورة. وقد حققت هذه المليونيات أهدافها، ولكن هل كان إغلاق قلب العاصمة أياما وأسابيع ضروريا فى كل الحالات، وهل الفعل الثورى هو المشاركة فى أى عمل احتجاجى أيا كان من يقوم به وأهدافه ونتائجه.

 

لابد من تأمل الثوار لأخطائهم فى الماضى القريب، وليستعدوا من الآن وبعد استيعاب دروس الماضى لمواجهة تحديات قادمة  فى صياغة دستور جديد، وفى خوض الانتخابات المحلية، وفى الدفاع عن استقلال القضاء، الحصن الذى بقى لنا لصيانة الحريات، وفى البناء على النجاح العبقرى الذى حققته حملة حمدين الصباحى. ربما إذا تعلمنا هذه الدروس، تتحول هزيمة مايو من هزيمة مؤقتة إلى انتصار استراتيجى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved