العرب فى جنيف2

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 27 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

حين اتفق الأمريكيون والروس على عقد مؤتمر «جنيف»، الشهر القادم لبحث مصير الأزمة السورية، عُدَّ ذلك تطورا مهما له دلالات عدة. فمن ناحية اعتبر اتفاق الطرفين على الفكرة بمثابة رسالة أعلنت ضمنا عن ترجيح كفة الحل السياسى وتراجع احتمالات نجاح الحل العسكرى الذى ظل مطروحا خلال العامين الماضيين. من ناحية ثانية فهو يعنى أن إيران المتفاهمة مع روسيا وإسرائيل المتفاهمة مع الأمريكان ستكونان ممثلتين فى المؤتمر. فى ذات الوقت فإنه يعنى أيضا تراجع الدور التركى وتأجيل مناقشة المبادرة المصرية وتجميد مهمة اللجنة الوزارية العربية المكلفة ببحث الموضوع. إن شئت فقل إن الدعوة إلى المؤتمر بمثابة إعلان عن توقف المساعى المحلية والإقليمية، ودخول اللاعبين الكبار إلى الحلبة بديلا عن مختلف الأطراف الأخرى.

 

على صعيد آخر فإن أسئلة كثيرة أصبحت مثارة حول تمثيل الائتلاف الوطنى السورى المعارض فى المؤتمر، وكذلك تمثيل نظام الرئيس الأسد، الذى أشارت المعلومات المتاحة إلى أنه سيحضر المؤتمر ولن يغيب عنه.

 

ليس معلوما كم من الوقت سوف يستغرق مؤتمر جنيف، علما بأن سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى أشار إلى أنه قد يستمر عدة سنوات بسبب تعقد وتشابك موضوعات بحثه. وبسبب بعد الشقة فى المواقف بين المعارضة التى تصر على استبعاد الرئيس الأسد وبين ممثلى النظام الذين يطالبون ببقائه فى منصبه إلى نهاية فترة ولايته فى العام القادم. لكى تجرى الانتخابات بعد ذلك ومن خلالها يحدد الشعب السورى خياره بنفسه. وللدقة فليس ذلك رأى ممثلى نظام الأسد وحدهم ولكنه أيضا رأى الإيرانيين والروس، إذ يرى الإيرانيون أن تحالفهم الاستراتيجى مع النظام السورى القائم هو أهم إنجاز حققوه فى المنطقة خلال الثلاثين سنة الماضية. فضلا عن أنه يشكل ركيزة مهمة لنفوذهم فى لبنان والعراق، ومن شأن سقوط نظام دمشق أن يؤدى إلى انهيار حساباتهم الاستراتيجية التى راهنوا عليها منذ قامت الثورة فى عام 1979. كذلك فإن الروس الذين استوعبوا درس ليبيا بعدما تجاهلهم الغرب بصورة مهينة فى أعقاب تأييدهم لسقوط نظام القذافى، ومن ثم اعتبروا أن وجودهم فى سوريا وتمسكهم بنظام الأسد هو الرد المناسب على القوى الغربية الداعية إلى إسقاطه والراغبة فى الاستفراد بالمنطقة.

 

لا تفوتنا فى متابعة المشهد ثلاث ملاحظات برزت فى الآونة الأخيرة هى:

 

ـ أن النظام السورى فى صموده أمام القوى المعارضة استطاع أن يسترد بعض مواقعه فى خلال الأيام العشرة الأخيرة بعد التعزيزات العسكرية التى تلقاها من روسيا وإيران.

 

ـ أن حزب الله تدخل بكثافة وبصورة معلنة إلى جانب نظام الأسد. وكان ذلك واضحا فى معركة القصير، وهو ما عبر عنه السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب فى خطاب متلفز.

 

ـ أن إسرائيل قامت بغارة كبيرة على بعض الأهداف العسكرية الحيوية فى محيط دمشق، وأرادت بذلك أن توجه رسالة إلى الجميع خلاصتها أنها مفتوحة الأعين على ما يجرى، وأنها لن تسمح بتسليم الصواريخ التى تمتلكها سوريا إلى حزب الله.

 

هذه الخلفية إذا صحت فإنها لن تكون بعيدة عن عملية التحضير لعقد مؤتمر جنيف، لأنها تعنى أن هناك سباقا على تثبيت المواقع وتحديد الأدوار على الأرض، الأمر الذى يحدد مراكز وموازين القوى السياسية مما لا بد له أن يؤثر على مضمون الاتفاق الذى يمكن أن يسفر عنه المؤتمر، شأنه فى ذلك شأن أى اتفاق سياسى آخر.

 

خلاصة الكلام أن الأزمة السورية فى مؤتمر جنيف، بصدد الدخول فى طور آخر، تلعب فيه الدول الكبرى الدور الأكبر والأكثر حسما، ويخرج فيه العرب من دائرة التأثير فى مصير الأزمة. ولايزال من الممكن أن يثبت العرب حضورهم فى ساحة الصراع لو أنهم أسهموا فى تغيير الموازين على الأرض. وهو ما قد تستطيعه مصر إذا استثمرت ثقلها وقدراتها وتحركت لكى تعزز موقف الجيش الحر وتمكنه من الحفاظ على مواقعه وصد هجمات النظام. إلا أن الحذر الزائد الذى يتسم به الموقف المصرى فيما خص الموقف السورى تحول إلى قيد يحول دون إسهامها الإيجابى فى تغيير موازين القوى على الأرض. وهو ما يطلق يد القوى الأخرى فى تحديد مصير الصراع، من خلال التمدد فى الفراغ الذى أحدثه غياب مصر، حين آثرت أن تقف فى جانب المتفرجين وليس اللاعبين.

 

وتلك نتيجة لن تؤثر على مصير سوريا وحدها، ولكنها ستؤثر أيضا على خرائط المنطقة وموقع العرب منها فى المستقبل القريب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved