ما يحتاجه القطاع الطبى

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 27 مايو 2020 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

بالأمس تحدثنا عن العجز الفادح فى عدد أطباء القطاع الحكومى فى مصر بما يصل إلى ٦٠٪.
هناك ٢١٢ ألف طبيب تقريبا ــ بإحصائيات ٢٠١٨ ــ لكن ٦٢٪ منهم إما استقالوا وعملوا بالقطاع الخاص، وإما هاجروا للخارج، لأسباب يطول شرحها.
لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول إنه لا حاجة لزيادة عدد دارسى وخريجى كليات الطب، لأن المشكلة تكمن فى عدالة توزيع الأطباء على المستشفيات والمناطق المختلفة، والأهم رفع مستواهم ولن يحدث ذلك إلا بتطوير وتغيير المنظومة الطبية بالكامل من أول مناهج وطريقة دراسة الطب فى الكليات نهاية بعلاج المستشفيات المتردية.
قرأت تصريحات لبعض أعضاء مجلس نقابة الأطباء السابقين، تقول إن هناك تكدسا فى بعض المستشفيات الجامعية، حيث تضم عشرة أضعاف العدد الطبيعى للأطباء، فى حين أن المستشفيات الحكومية تعانى عجزا فادحا. والمنطقى فى هذه الحالة هو إعادة توزيع الأطباء طبقا لاحتياجات المجتمع، خصوصا أطباء الأسرة.
إحدى المشكلات الأساسية هى وجود تخصصات تعانى نقصا شديدا مثل التخدير والطوارئ والرعاية المركزة، وهذه التخصصات تفضل السفر للخارج، أو العمل فى المستشفيات الخاصة، حيث تتقاضى مرتبات كبيرة جدا، مقارنة بما تحصل عليه فى المستشفيات الحكومية.
فى المقابل فإن بعض التخصصات مثل النساء والتوليد والجلدية، يتقدم لها العديد من الأطباء للتخصص فيها، لأن العمل فيها مضمون تماما بعد التخرج، خصوصا فى العيادات الخاصة، مقارنة بتخصصات أخرى لا تجد إقبالا كبيرا.
أصحاب وجهة النظر هذه يقولون إن المعدل الطبيعى الذى تحتاجه مصر بعدد سكانها الحاليين هو ما بين ٨ ــ ١٠ آلاف طبيب جديد سنويا، فى حين أن ما يتم تخريجه يصل إلى نحو ١٢ ألف طبيب.
وبالتالى فالقصة، ليست مزيدا من الخريجين، بل إعادة هيكلة كل القطاع الطبى والقضاء على كل مشاكله.
كثيرون يراهنون على أن قانون التأمين الصحى الذى بدأ تطبيقه قبل شهور فى بورسعيد، سيقضى على كل التشوهات، ويعمل على تطوير الخدمات الطبية المقدمة للمواطن، إضافة إلى تعديل أجور العاملين فى المنظومة الطبية. من وجهة نظر بعض الأطباء وبعض أعضاء نقابتهم فإن ما يدفع الأطباء للسفر للخارج أو العمل فى القطاع الخاص هو الأجور المتدنية وبيئة العمل غير المشجعة، وعدم توافر الإمكانيات المادية والمستلزمات الطبية، وعدم تطبيق القوانين الفاعلة، التى تحمى الأطباء أثناء أداء عملهم، خصوصا فى ظل الاعتداءات المتتالية التى تعرضوا لها من أقارب بعض المرضى.
النقطة المهمة الأخرى هى التدريب والتأهيل المستمر حيث يحتاج الطبيب إلى ١٥ سنة تتضمن تدريبا ودراسات عليا، وبعدها يمكنه مباشرة المرضى بصورة كاملة، وبالتالى فإن استمرار الظروف غير المواتية، تجعل الأطباء يسافرون للخارج بحثا عن ظروف أفضل.
السؤال المهم: إذا كانت الدولة تنفق الملايين الكثيرة لدراسة طلاب كليات الطب، فلماذا لا تعالج المشكلة من جذورها، حتى لا تقدم هؤلاء الخريجين على طبق من ذهب وفضة للدول الأجنبية التى لم تنفق مليما واحدا فى دراسة وإعداد وتدريب هؤلاء الأطباء؟!
الدولة مشكورة تحركت أخيرا فنفذت بعض المطالب التى كان يرفعها الأطباء ومنها رفع بدل المهن الطبية بنسبة 75%، والذى كان يتراوح بين 400 إلى 700 جنيه. ثم القرار الجرىء برفع المكافأة الشهرية لطلبة الامتياز من ٤٠٠ جنيه إلى ٢٢٥٠، وكذلك صرف مكافآت لكل العاملين فى مستشفيات العزل، ونتمنى أن تتمكن الحكومة قريبا من إيجاد حل مشرف لرفع بدل العدوى لكل العاملين فى هذه المنظومة وبقية المطالب الأخرى، حتى تنتهى الأزمة تماما، ويتفرغ الجميع للعمل والبناء.
أحد الاقتراحات هو رفع مستوى الأطباء، وتحسين بيئة العمل من المستلزمات والأجهزة وأسرة الرعاية المركزة والحضانات، وصياغة قوانين تحمى أعضاء الفريق الطبى أثناء عملهم، وطبقا لما قاله أحد أعضاء مجلس نقابة الأطباء، فعلى المحليات أن تسن قوانين متابعة لعمل الأطباء، وليس التفتيش عليهم، والتركيز على ما قاموا به طوال عملهم اليومى واتباع بروتوكولات العلاج الصحيح.
مرة أخرى أتمنى أن تجلس وزارة الصحة ونقابة الأطباء، ويفتحوا صفحة جديدة، تناقش الأمور بهدوء وصراحة وتصل إلى حلول وسط تحقق مصلحة الجميع، وتقطع الطريق على المتربصين بالدولة والأطباء، خصوصا فى ظل ما يجمع عليه العالم بأهمية دور المنظومة الطبية فى السنوات المقبلة، بعد الدرس القاسى الذى تعلمه العالم ومايزال من انتشار فيروس كورونا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved