اندلاع الصراع على السلطة في ليبيا

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 27 مايو 2025 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

 

شهدت ليبيا خلال شهر مايو ٢٠٢٥ اشتباكات مسلحة بين الميليشيات فى العاصمة طرابلس وضواحيها، بدرجة من العنف لم تحدث منذ فترة. وأدت هذه الاشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة إلى مقتل أعداد من المواطنين الليبيين، الذين خرجوا فى مظاهرات سلمية طالبت بوقف القتال واستقالة حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة. والحقيقة أن هذه الاشتباكات المسلحة ليست وليدة الساعة، وإنما نتاج تراكمات وصراعات على السلطة والثروة بين القوى المسيطرة فى شرق ليبيا وغربها، بل وبين القوى المسيطرة فى غرب ليبيا هذه المرة. وأصبح الصراع مزدوجًا ومتداخلًا بدرجة كبيرة تزيد الأزمة الليبية تعقيدًا.

وكان مقتل عبدالغنى الككلى، رئيس جهاز دعم الاستقرار، الموالى لرئيس المجلس الرئاسى محمد المنفى، على أيدى الوحدة العسكرية ٤٤٤ التابعة للدبيبة رئيس حكومة الوحدة، وراء انفجار الموقف بين مختلف المليشيات المسلحة. وقد تسرب أنه تمت دعوة الككلى إلى اجتماع فى أحد معسكرات الوحدة ٤٤٤، بدعوى تسوية الخلافات بينهم، ولكن اتضح أنه كمين تم فيه اغتيال الككلى وحراسه الثلاثة، والانتشار السريع للقوات الموالية للدبيبة والاستيلاء على عدد من المراكز والمقار المهمة التابعة لجهاز دعم الاستقرار.

• • •

وقد أنشأ فايز السراج رئيس الحكومة الليبية السابق، فى خضم صراعه المكتوم مع وزير داخليته فتحى باشاغا، مجموعة مسلحة تحت اسم «جهاز دعم الاستقرار»، واختار عبد الغنى الككلى قائدا لها بقرار حكومى صدر فى يناير ٢٠٢١. رغم توجيه منظمة العفو الدولية اتهامات للككلى بارتكاب العديد من الجرائم والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والتى ارتكبتها الميليشيات تحت قيادته، وكلها جرائم موثقة. وكان الككلى من أهم حماة عبدالحميد الدبيبة بعد توليه رئاسة الحكومة عقب السراج، وسيطرت قواته على هيئة أمن المرافق الحكومية المسئولة عن نقل وتأمين الأموال بين البنوك فى طرابلس، كما وضع الككلى رجاله فى عدة مناصب حكومية مهمة ومنها إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية، والإشراف على مراكز المحتجزين من الأجانب، ووجهت لهم اتهامات دولية بالإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الأوروبية.

ورغم أن الككلى كان يرافق الدبيبة فى العديد من لقاءاته وجولاته الميدانية، إلا أن الدبيبة رحب بشدة بمقتله وأشاد بما قامت به وزارتا الداخلية والدفاع، ووصف ذلك بأنه يهدف إلى ترسيخ مبدأ أن "لا مكان فى ليبيا إلا لمؤسسات الدولة، ولا سلطة إلا للقانون". وقد استعان الدبيبة بقوات مسلحة من بلده مصراته للمساعدة فى القضاء على الككلى والهجوم على مقراته والسيطرة على أسلحة قواته، بالتنسيق مع وزارتى الداخلية والدفاع.

• • •

وقد ظهر الصراع بين الدبيبة والككلى، عندما حاول الأخير بسط نفوذه على الشركة القابضة للاتصالات، ردا على قرار الدبيبة بإقالة رئيسها فى أكتوبر ٢٠٢٤، ورفضه تنفيذ القرار، واعتداء الككلى على رئيس الشركة الجديد وهو من مصراته بلد الدبيبة، وهو ما اعتبر تجاوزا واعتداء غير مقبول على أحد أبناء مصراته، وليصبح فرصة للإعداد للتخلص من الككلى ونفوذه. وكانت البداية بإصدار الدبيبة قرارا فى ١٣ مايو ٢٠٢٥ بحل ما أسماه «الأجهزة الأمنية الموازية»، والضرب بيد من حديد على المخالفين، فى إطار سعى حكومته لبسط نفوذها على المنطقة الغربية من ليبيا وتقليص صلاحيات تلك الأجهزة.

 ويتردد أن هذا يأتى فى إطار خطة أمريكية جديدة قدمت لحكومة الدبيبة فى فبراير ٢٠٢٥، تقضى بتشكيل قوة عسكرية موحدة تتولى مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية تحت مظلة جيش ليبى موحد يتبع حكومة الدبيبة. وأصدر رئيس المجلس الرئاسى محمد المنفى قرارًا بتجميد قرارات الحكومة ذات الطابع العسكرى، وذلك على خلفية النزاع المسلح بين قوات حكومة الدبيبة وجهاز دعم الاستقرار الموالى للرئاسة، فى محاولة من المنفى المحافظة على استقلالية مهامه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.

يلاحظ أن جهاز دعم الاستقرار كان يتمتع باستقلالية كبيرة ولا يخضع لرقابة النيابة العامة ووزارة العدل، رغم أنه يشرف على سجن معيتيقة وسجون أخرى دون أى رقابة ودون السماح للجان والمنظمات الحقوقية بزيارة هذه السجون. وقد أكد الدبيبة على أن جميع المعسكرات والمنشآت العسكرية فى ليبيا يجب أن تخضع حصريا لوزارة الدفاع والجيش، حيث يتولى الدبيبة رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع.

• • •

وقد أعربت بعثة الأمم المتحدة فى ليبيا عن القلق العميق من التصعيد الأخير فى العاصمة طرابلس وسقوط قتلى وجرحى من المدنيين وإلحاق أضرار بالمنازل والبنية التحتية، وقمع المتظاهرين وإطلاق النار عليهم، والقتال فى مناطق مكتظة بالسكان مما يمثل فشلًا واضحًا من قبل جميع الأطراف فى الالتزام بواجباتهم لحماية المدنيين، وضرورة ضمان حقوق جميع الليبيين فى حرية التعبير والتجمع السلمى دون خوف من الانتقام. ودعت السلطات إلى إجراء تحقيقات مستقلة ومحاسبة الجناة.

واستغل مجلس النواب الليبى خروج المظاهرات الشعبية الغاضبة فى طرابلس ضد حكومة الدبيبة، وأعلن أنه ينسق مع المجلس الأعلى للدولة من أجل الاتفاق على تشكيل حكومة ليبية جديدة تحل محل حكومة الدبيبة وتمارس عملها فى أقرب وقت ممكن، ويرى أن حكومة الدبيبة سقطت منذ ثلاث سنوات بموجب قرار سحب مجلس النواب الثقة منها، وأن الشعب أسقطها وهى والعدم سواء كما يرى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذى استنكر بشدة إطلاق مجموعة مسلحة تابعة للدبيبة، النار على المتظاهرين السلميين. وقد توافق مع هذا الرأى خالد المشرى الذى يتصارع مع محمد تكالة على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، بقوله أن حكومة الدبيبة فاقدة الشرعية سياسيًا وقانونيًا وشعبيًا، ولا تمثل إرادة الليبيين، ولا يجوز لها الاستمرار فى ممارسة مهامها. وأنه سيعمل مع مجلس النواب على تشكيل حكومة مؤقتة لفترة انتقالية محدودة تلتزم بتهيئة الأجواء السياسية لإجراء انتخابات شاملة فى أقرب وقت.

وصرح الدبيبة بأن الككلى ظل يسيطر على ٦ بنوك فى ليبيا، وكان من يخالفه يدخله السجن أو المقبرة، وتغولت ميليشياته فى المشهد السياسى والمالى والاقتصادى والاجتماعى على مدى عشر سنوات حتى أصبح الكثير منها أقوى من الدولة. واتهم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب بأنه مشعل الحروب حيث أضفى شرعية على العدوان على طرابلس الذى أدى إلى دمار كبير واستمرار الحرب ١٤ شهرًا أسفرت عن مقتل ٣ آلاف شخص وتدمير واسع للبنية التحتية (يشير إلى الحملة السابقة للمشير حفتر على غرب ليبيا)، كما اتهمه بأنه يقود مجلس النواب بلا أغلبية قانونية.

وقد هاجم عقيلة صالح المجلس الرئاسى، ويرى أنه ليس مجلسًا منتخبًا وتجاوز سلطاته بالتعدى على السلطة التشريعية. وقد رد عليه نائب رئيس المجلس الرئاسى عبدالله اللافى، بأن جميع الأجهزة الأساسية الحالية فى الدولة الليبية تستند فى وجودها إلى الاتفاق السياسى الليبى الذى تم بإشراف الأمم المتحدة. ويرى المجلس الرئاسى أن تشكيل حكومة جديدة من اختصاصه وليس من اختصاص مجلسى النواب والدولة.

• • •

عقد المجلس الرئاسى برئاسة محمد المنفى اجتماعا مع قادة عسكريين وبحضور مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا هانا تيتيه، وأعلن إطلاق آلية لتثبيت الهدنة فى طرابلس، والدعوة لاتخاذ ترتيبات أمنية تقضى بتهدئة دائمة وتعزز الاستقرار فى إطار مسئوليات المجلس الرئاسى بوصفه سلطة عليا للقيادة العسكرية فى ليبيا. وقد شددت المبعوثة الأممية على دعمها الكامل لخطوات المجلس الرئاسى فى هذا الشأن.

تدل الاشتباكات المسلحة التى جرت فى طرابلس على أنها جزء من تصفية الحسابات بين الميليشيات المختلفة فى إطار الصراع المستمر فى ليبيا على السلطة والثروة، وتعطيل كل ما بذل وما يبذل من جهود من بعثة الأمم المتحدة وأطراف إقليمية ودولية لتنشيط المسار السياسى نحو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تؤدى إلى استقرار الأوضاع فى ليبيا. وكل طرف من الأطراف المتصارعة يدعى الشرعية ويطالب بإجراء انتخابات شاملة وفقا لرؤيته ومصالحه ودون أخذ فى الاعتبار مصالح الآخرين ومصالح ليبيا والشعب الليبى، الأمر الذى دفع مجموعات من المتظاهرين بالمطالبة برحيل حكومة الدبيبة وحكومة حماد فى شرق ليبيا ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وكل المؤسسات القائمة. ولا يتوقع التوصل لحل لهذا الصراع إلا بتحييد جميع القيادات الحالية، وأن تدفع القوى الإقليمية والدولية نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى تاريخ قريب ومحدد لإخراج ليبيا من دائرة صراع بلا نهاية وتحقيق الاستقرار والبدء فى إعادة الإعمار والتنمية.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved