ورشات ترامب لن تنفع إسرائيل

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الخميس 27 يونيو 2019 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

أثار إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن فرض عقوبات جديدة على إيران انفعالا شديدا فى إسرائيل. ومثل العقوبات السابقة حظيت هذه العقوبات الجديدة أيضا بصفة «غير مسبوقة»، وتطاولت الأعناق بحسب استطلاع وترقب شديد لمشاهدة إيران وهى تركع على الأرض جراء هذه العقوبات. وإجمالا، كان الأسبوع الحالى مثقلا بالمهرجانات السياسية، ويبدو أن المواطنين مرتبكون لا يعرفون ماذا سيفعلون بهذا الفيض من بشائر الخير التى تتساقط عليهم.

بعد العقوبات المباركة على إيران، وصل إلى القدس رئيسا مجلسى الأمن القومى فى كل من الولايات المتحدة وروسيا. وهذه أيضا احتفالية «غير مسبوقة»: إسرائيل والدولتان الأعظم دوليا يبحثون فى مستقبل الشرق الأوسط، فى مسارات دبلوماسية لحل الأزمات والصراعات، وفى تنسيق المواقف الدولية، وكأن الحديث يجرى عن مؤتمر يالطا الذى بحث فى تقاسم التأثير فى مناطق العالم، تمهيدا لإنهاء الحرب العالمية الثانية. وما إن اجتمع هؤلاء، حتى بدأ فى المنامة، عاصمة البحرين، مهرجان آخر «غير مسبوق»، افتتح فيه ممثلون عن مصر والسعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيليون «غير رسميين»، برعاية أمريكية، «الورشة الاقتصادية» التى تؤذن ببداية الصيف الذى سيزيل الستار عن «صفقة القرن».

لا يمكن أن يكون هناك إثبات أكثر قطعية على مكانة إسرائيل الدولية الرائعة، وعلى كفاءة رئيس الحكومة السياسية من هذه المشاهد التى ستغير، من دون شك، وجه الشرق الأوسط الملىء بالجروح والندوب. خسارة فقط أن ونستون تشرتشل توفى منذ زمن ولم ينتظر ليرى خليفته من القدس وهو يقود هذه الأوركسترا الدولية والعربية كفنان كبير.

إنها لحظات تاريخية سامية جدا يجب وقفها وحفظها. ومع ذلك لا مناص من طرح بعض الأسئلة المهمة. منها، على سبيل المثال، ما الذى حققته العقوبات على إيران، أكثر مما حققه الاتفاق النووى معها؟ لقد تعهدت إيران بما يلى: عدم تخصيب اليورانيوم بأكثر مما يجيزه الاتفاق؛ عدم إنتاج مياه ثقيلة بأكثر من المسموح به؛ إبادة آلاف أجهزة الطرد المركزي؛ تجميد البرنامج النووى العسكرى مدة عشر سنوات على الأقل وإتاحة الرقابة الدولية عليه عشر سنوات أُخرى. حتى الآن نفذت إيران جميع شروط الاتفاق (وهو ما تقره وتؤكده الجهات الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية أيضا)، وكانت على وشك تحقيق اختراق اقتصادى كان من شأنه جعلها دولة مزدهرة، لكن مع بقاء اقتصادها مرتبطا بالدول الغربية. ولو أن ترامب كان رئيسا لأميركا لدى توقيع الاتفاق النووى، لما كان ثمة من هو أكثر فخرا به منه، ذلك بأن الصيغة السحرية التى يعتمدها لحل الأزمات الدولية هى: أعطوهم المال، فيأتى كل شىء آخر تلقائيا. لكن باراك أوباما هو الذى وقع على الاتفاق، للأسف الشديد..

ما أضاع ترامب فرصة تحقيقه مع الإيرانيين، يحاول تحقيقه الآن مع الفلسطينيين. بضع عشرات من المليارات وسينتهى النزاع ويزول. ما الذى لا تفهمونه هنا؟ فالفلسطينيون لا يجدون لهم، فى كل الأحوال، أى شريك سياسى لإقامة دولتهم، لا فى إسرائيل ولا فى الولايات المتحدة. فماذا يضيرهم لو حصلوا على هذه المبالغ من المال إذا؟ صحيح أن الأمر كله لا يتعدى الخديعة، لأن الأموال لن تصل حقا والتعهدات المستقبلية أشبه بشموع من دون فتائل، ولأن الفلسطينيين يقولون، أصلا، إن كان ترامب يرغب فى مساعدتنا، فليتكرم أولا ويحرر أموال الدعم الخاصة بهم التى أمر بتجميدها، وليأمر إسرائيل بالتوقف عن حسم الضرائب من العوائد المستحقة لهم. لكن، كما فى الحالة الإيرانية، أو فى الإعلانات الدعائية عن القطار الخفيف: العقوبات أولا. التاريخ يبدأ الآن، ولا تخبروا ترامب أن ثمة اتفاقا مع إيران، أو أن خرائط طريق واتفاقيات لا نهائية قد تم توقيعها مع الفلسطينيين. ما كان قبله غير موجود. براءة الاختراع مسجلة باسمه حصريا، وموضوعها «ورشة البحرين».

مشكلة إسرائيل هى أن ترامب يستطيع اتخاذ قرار بشن هجوم ضد إيران، ثم يتراجع بعد عشر دقائق ويلغى قراره. يمكنه تنظيم عرض فى البحرين، ثم العودة إلى البرنامج التلفزيونى المحبب له. لكن بعد انتهاء هذا الأسبوع، ستبقى إسرائيل مع الحرائق فى قطاع غزة، ومع سلطة فلسطينية آيلة إلى الانهيار، ومع آلاف الصواريخ لدى حزب الله. وهذه كلها ليست خدعة ولا سرابا أو وهما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved