مصر وضم إسرائيل لأراضٍ فلسطينية

إبراهيم عوض
إبراهيم عوض

آخر تحديث: السبت 27 يونيو 2020 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

مصلحة مصر هى أن ترفض علانية ومنفردة المشروع الذى تتأهب الحكومة الإسرائيلية لإعلانه اعتبارا من الأول من يوليو، ألا وهو ضم زهاء 30 فى المائة من أراضى الضفة الغربية لنهر الأردن إلى إسرائيل. ليس فى هذا الرفض معاداة لإسرائيل ولا خروج على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية المنعقدة فى سنة 1979 إن كان هذا هاجسا لدى صناع القرار أو لدى المهتمين بالسياسة الإقليمية والخارجية لمصر يخشون أن يؤدى إلى إضعاف موقفها فى الساحة الدولية. سوف نفصل فى هذه النقطة أولا قبل أن ننتقل لتفسير مصلحة مصر كما يراها هذا المقال.

أصدقاء لإسرائيل بل وإسرائيليون أعلنوا صراحة معارضتهم لضم الأراضى الفلسطينية وأدانوها مشددين على انتهاكه الصارخ للقانون الدولى ولحل الدولتين كتسوية مقبولة للنزاع الفلسطينى الإسرائيلى وهو فى القلب من الصراع العربى الإسرائيلى والأصل فيه، ثم على أساس أنه ينسف كل إمكانية للسلم والتعايش فى منطقة الشرق الأوسط، وهم ناشدوا الحكومة الإسرائيلية عدم الإقدام عليه. بشكل أو بآخر، وبتفاصيل زادت أو قلت، عبّر الكثيرون عن هذا الموقف. المندوب الدائم للصين لدى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك أعلن فى شهر إبريل الماضى عن أن بلاده تعارض ضم الأراضى الفلسطينية الذى ينتهك القانون الدولى والقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن. وزير الخارجية الروسى فى محادثة مع وزير الخارجية الإسرائيلى الجديد فى شهر مايو الماضى عبر عن اعتراض روسيا على خطة الحكومة الإسرائيلية، وهو ما أضاف إليه نائب وزير الخارجية فى حديث لجريدة «الأهرام» منذ أيام حيث أشار إلى أن الضم يقوض حل الدولتين ويمكن أن يؤدى إلى العنف والاضطراب. المسئول عن السياسة الخارجية فى الفاتيكان دعا إلى ضرورة احترام القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة حتى يمكن للشعبين الفلسطينى والإسرائيلى أن يعيشا جنبا إلى جنب. وزير خارجية ألمانيا وفى القدس نفسها فى الأسبوع الماضى اعتبر الضم خروجا على القانون الدولى وحث إسرائيل على أن تتفاوض مع الفلسطينيين بدلا من ضم الأراضى. أحد عشر سفيرا أوروبيا فى إسرائيل وفى اجتماع مع مسئولة فى وزارة الخارجية الإسرائيلية حذروا من النتائج الخطيرة التى يمكن أن تترتب على الضم. هؤلاء هم سفراء إسبانيا وفرنسا وإيرلندا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد وفنلندا وإيطاليا والاتحاد الأوروبى. ما يدعو للأسف هو أن دولا ترتبط بمصر بعلاقات وثيقة فى الوقت الحالى مثل المجر وجمهورية التشيك وبولندا وسلوفاكيا وحتى اليونان وقبرص، ذات العلاقات التاريخية القوية بالمنطقة العربية، تغيب سفراؤها عن الاشتراك فى الموقف الأوروبى، وهى بالمناسبة نفس الدول التى يتوقع أن تحول دون أن يفرض الاتحاد الأوروبى عقوبات على إسرائيل إن أقدمت على تنفيذ خططتها. هذا التوقع ينبنى على أساس مواقف هذه الدول التى رشحت عن اجتماعين داخليين فى الاتحاد فى شهر مايو الماضى وعن حيلولة المجر دون أن يصدر بيان مشترك عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد يوم 15 مايو الماضى، وهى نفس المجر التى عرقلت اتخاذ أى موقف أوروبى موحد من عملية السلام فى الشرق الأوسط منذ سنة 2016. المسئول عن السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى أعلن مرتين على الأقل، آخرهما فى مايو الماضى عن ضرورة احترام القانون الدولى وعن أن الاتحاد لن يعترف بأى تغيير فى حدود يونيو 1967، غير تلك التى يتفق عليها الإسرائيليون والفلسطينيون، وعن تمسكه بحل الدولتين. زهاء خمسين وزير خارجية ورئيس وزراء أوروبيين سابقين، من دول الاتحاد الأوروبى ومن خارجه، فى بيان أصدروه لدى نهاية شهر فبراير الماضى أيدوا موقف المسئول عن الشئون الخارجية فى الاتحاد، واستنكروا خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «من السلام إلى الرخاء»، التى تتخذها الحكومة الإسرائيلية مسوغا للضم، معتبرين أنها لا يمكن أن تفضى إلى أى حل مشروع بل إلى ما يشبه الفصل العنصرى. معان شبيهة جاءت فى رسالة وجهها 1080 برلمانيا من خمسة وعشرين دولة أوروبية ما بين محافظين وليبراليين واشتراكيين إلى وزراء خارجية دولهم نشرت فى عدد من الصحف الأوروبية فى الأسبوع الماضى وأضافوا إليها أنها ستصيب فى مقتل فرص السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأنها تقوض القواعد الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية. من المهم فى هذه الرسالة التى حرص الموقعون عليها على التشديد على صداقتهم لإسرائيل وعلى أن أمن إسرائيل مسألة لا يمكن أن يقبلوا التفاوض بشأنها، من المهم أن المحركين لها كانوا أربع شخصيات إسرائيلية على رأسها افراهام بورج وهو رئيس أسبق للكنيست، وكذلك رئيس أسبق لكل من الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية، وهو ابن يوسف بورج، من مؤسسى الحزب القومى الدينى والوزير فى حكومات إسرائيلية عديدة من الخمسينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضى. شخصية المحرك الرئيسى للرسالة تعنى ببساطة أن الرفض العلنى للضم لا يمكن حتى اعتباره معادة للصهيونية نفسها!! أما عربيا، فلقد حذر ملك الأردن من نزاع هائل بين بلاده وإسرائيل إن أقدمت الأخيرة على ضم الأراضى الفلسطينية ومن التطرف والإرهاب الذى سيعم المنطقة من جرائه. الإمارات العربية المتحدة نفسها المنفتحة على إسرائيل كتب سفيرها فى واشنطن مقالا نشر فى جريدة إسرائيلية حذر فيه من الضم ونبّه إلى أنه سيحول دون التطبيع الذى تدعو إليه بلاده. أما فى الأمم المتحدة، فإن أمينها العام فى كلمة أمام مجلس الأمن فى الأسبوع الماضى كرر اعتبار الضم انتهاكا للقانون الدولى وذكر بقرارات المجلس التى تعتبر المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية غير شرعية وأن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن. نفس المعانى جاءت على لسان المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام فى الشرق الأوسط، كما وردت فى بيان مشترك صادر عن الأعضاء الحاليين والمقبلين فى مجلس الأمن من الاتحاد الأوروبى وهى فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإيرلندا وإستونيا بالإضافة إلى المملكة المتحدة والنرويج.
***
ما سبق ينبغى أن يكون كافيا للدلالة على أن القائلين به لا يمكن أن يأخذوا على مصر معارضتها العلنية لضم الأراضى الفلسطينية إلى إسرائيل. نفس التقدير ينطبق على عموم الدول العربية وعلى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وإن وجدت استثناءات فهى ستكون لتأكيد القاعدة. يبقى بالطبع صاحب المسوغ للضم ألا وهو الرئيس الأمريكى. الرئيس ترامب فى أضعف حالاته فى الوقت الراهن نتيجة لتخبطه ومواقفه الخرقاء وتصريحاته الحمقاء بشأن الوباء العالمى من جانب، ولاستهتاره بالمسألة العنصرية المشتعلة حاليا فى الولايات المتحدة ولافتقاده لأى نوع من التعاطف الإنسانى، من جانب آخر. الرئيس الأمريكى اعتزم فى بداية إبريل الماضى تكليف صهره بملف الوباء العالمى وبإيجاد علاج له، فلما قامت قيامة السياسيين والمتخصصين لعدم كفاءة الصهر المذكور، تراجع الرئيس الأمريكى فورا. هذا الصهر هو نفسه جاريد كوشنر الذى أنتج مسوغ الضم أى الخطة المنسوبة إلى الرئيس الأمريكى. هذه الخطة لا تلقى القبول حتى فى داخل الولايات المتحدة، ولا بين كل اليهود الأمريكيين. المرشح الديمقراطى للرئاسة الأمريكية جو بايدن عبر عن معارضته لضم الأراضى الفلسطينية قائلا أن إدارة برئاسته لن توافق عليه ولا تعترف به. تسعة عشر عضوا فى مجلس الشيوخ الأمريكى أرسلوا خطابا مشتركا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى يرفضون فيه التوسع الإسرائيلى ويكررون تمسكهم بحل الدولتين، ثم انضم إليهم تسعة أعضاء آخرين أرسلوا خطابات منفصلة إلى رئيس الوزراء أو إلى وزير الخارجية شريكه فى الائتلاف الحكومى. المنظمة اليهودية الأمريكية المناصرة للسلام وحل الدولتين والمعارضة للتوسع «ج ستريت» نشرت مقتطفات من هذه الرسائل وغيرها من إجمالى عدد 37 عضوا فى مجلس الشيوخ منهم مرشحون لمنصب نائب الرئيس مع بايدن.
***
على ضوء ما سبق عرضه من مواقف الفاعلين الدوليين والعرب والأمريكيين من خطة ضم الأراضى الفلسطينية، هل من المناسب أن تكتفى مصر بأن يكون التعبير عن موقفها الرافض للضم فى أطر جماعية مثل جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامى؟ هل يمكن لأحد أن يتصور أن يكون أكبر الآثار الفعلية لكوشنر ولترامب، إن لم يكن أثرهما الوحيد داخليا وخارجيا، هو فى فلسطين وعلى حساب الفلسطينيين وهو أثر بائس منذر باستمرار النزاع فى فلسطين وفى غيرها من الأراضى العربية إلى ما لا نهاية له؟ هذا ليس فى مصلحة مصر فى رأى هذا المقال.
لا حاجة لأن يكون المحلل عرافا لكى يتوقع، فى حالة ضم الأراضى، مقاومة فلسطينية لواقع المحاصرة الذى سيعانون منه فى مقاطعات صغيرة منفصلة عن بعضها، تتحكم إسرائيل فى خطوط الانتقال فيما بينها وفى الوصول إلى مجملها باعتبار أن اتصالها بالعالم الخارجى سيكون عن طريق المطار والموانئ الإسرائيلية وحدها. وبدلا من «الرخاء» الموعود، سيكون نصيب الفلسطينيين الفقر والمزيد من الفقر لاضطرارهم لوضع نشاطهم الاقتصادى فى خدمة الاقتصاد الإسرائيلى المتقدم فى المستوطنات، التى ستصبح جزءا من إسرائيل، وفى إسرائيل سنة 1967 نفسها. هل يمكن أن يقبل المصريون قمعا مستمرا تواجه به إسرائيل كل غضب واحتجاج فلسطينى على هذا الوضع؟ وماذا إن امتد الاحتجاج إلى الأردن ثم إلى لبنان وسوريا؟ من جانب آخر وضع النشاط الاقتصادى الفلسطينى فى خدمة الاقتصاد الإسرائيلى سيزيده قوة على قوة، فهل يمكن أن تقبل مصر ذات المائة مليون نسمة المتنامين بواقع ثلاثة ملايين كل سنة، هل يمكن أن تقبل اختلالا متزايدا فى الوزن الاقتصادى بينها وبين إسرائيل ذات الملايين التسعة؟ وما هى النتيجة الممكنة لهذا الاختلال؟
التصريح المنفرد والعلنى برفض الضم سيعزز من وضع مصر فى المنطقة العربية ويرفع من شأنها، وهى الدولة الأكبر فيها بحكم تاريخها القديم والحديث وبمقتضى إمكانياتها وحجمها السكانى، وهى مكانة لا يمكن أن ينازعها فيها عاقل أيا كان وهنها الحالى. وليس فى هذا الرفض أى سلوك عدائى بل هو سيكون مفهوما تماما من الفاعلين على الساحة الدولية والإقليمية ومن كثيرين فى إسرائيل ذاتها. أما القائلون بأن فى ليبيا وسد النهضة ما يكفى مصر فى الوقت الحالى فالرد عليهم هو أن تمسكك بالقانون الدولى فى فلسطين يعزز من استنادك إليه فى قضية سد النهضة.
من أجل السلام المستدام الذى يمنح فرصة للتنمية لشعوب المنطقة ولانتشالها من البئر المظلمة التى هوت إليها، لا بد أن ترفض مصر منفردة وعلانية ضم إسرائيل لأراضى الضفة الغربية.
هذا الرفض فى مصلحة كل العقلاء فى المنطقة العربية وفى إسرائيل وفيما عداهما.
أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved