اللولاوية

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 27 يوليه 2011 - 9:36 ص بتوقيت القاهرة

 رجلان وصلا إلى قمة السلطة فى بلديهما. رجل قضى فى الحكم دورتين ورفض تعديل الدستور ليمد ولايته دورة ثالثة والآخر رفض أن يغادر بعد دورتين وثلاث وخمس. أحدهما خلف فى بلده والإقليم بأسره أسطورة تحكى قصة نجاح تتحاكاها الشعوب والثانى خلف فى بلده والإقليم بأسره قصة فشل تنعى الشعوب بسببها حظها العاثر ودموعها مازالت تسيل وتتدفق فى ركاب ما دمر وما نهب وما أهدر.

ضغطت أمريكا على الاثنين ليعتنقا عقيدة اقتصادية ومالية عرفت بإجماع واشنطن وذاع صيتها، وهى العقيدة التى أفسدت ضمائر ونشرت شكوكا بين حكام ومحكومين وقطيعة بين طبقات المجتمع. بفضلها تفاقمت ديون الأمم وانفتحت كل الأبواب تستقبل أموالا ناهبة ومنهوبة ووراء الأبواب يقف أفراد يمثلون قشرة فى الطبقة الحاكمة ولصوص الأعمال والمغامرين ليقتسموا فيما بينهم، وبنسب غير عادلة أو متوازنة، نصيبا فى هذه الأموال مرة عند دخولها ومرات عند خروج عائدها. بسبب إجماع واشنطن أعلنت دول عديدة إفلاسها واستمر ينحط مستوى الفقر ويزداد عذاب الفقراء وكادت طبقات وفئات من شعوب تعود لتحيا حياة الغابة وتطرف بعض شبابها إجراما أو إرهابا أو تدينا أو إلحادا. من هؤلاء الشباب من خلع هوية من هوياته ثم أخرى ثم ثالثة ورابعة حتى صار فى سلوكياته وولاءاته وترتيب أولوياته أقرب ما يكون إلى إنسان الغابة، لا تستر وحشيته هوية أو قيمة من القيم ولا تذكره بآدميته ذاكرة إنسان حر.

●●●

أحد الرجلين رفض الضغوط الأمريكية لتطبيق إجماع واشنطن واختار حزمة من السياسات والممارسات والتجارب جاء بعده ومن حوله من أطلق عليها عنوانا صار ذائعا فى أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى.

أما العنوان فهو «اللولاوية» نسبة إلى لولا دا سيلفا الرئيس السابق للبرازيل، وتعنى فى الوقت نفسه الأولوية التى قررها الرئيس لهدف استجابة جميع أجهزة حكومته إلى حاجات الشعب الأساسية وحاجاته الاجتماعية العاجلة. تعنى أيضا ضرورة المحافظة على التوافق الشعبى العام على قواعد دستورية عامة. وتعنى ثالثا الالتزام بكفاءة الجهاز البيروقراطى وضمان حد ممكن ومعقول من طهارة اليد. وخلافا لما رددته أوساط المحافظين الجدد فى الولايات المتحدة وقطاعات كبار لصوص الأعمال وأباطرة النهب السريع فى أمريكا الجنوبية الذين أرادوا تحقيق أقصى استفادة من حالة «الرأسمالية المتوحشة» التى هبت على النظام الاقتصادى العالمى ولم يكن مقدرا لها أن تستمر طويلا، لم تكن «اللولاوية» عقيدة تدعو لإعادة توزيع الثروة، بل نهج يهدف إلى زيادة حجم الثروة الوطنية وزيادة وضمان كفاءة توزيعها.

لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الرئيس الذى تولى حكم البرازيل مدتين ورفض الثالثة. يشهد له تاريخه فى الحكم أن رئيسا آخر من رؤساء أمريكيا الجنوبية والوسطى لم يختلف معه، رغم أنه قرر منذ اليوم الأول فى الحكم أنه ينوى أن يحمل بلاده على ظهره، ويقصد ظهر إنجازاته، صاعدا بها نحو مكان على القمة: قمة الإقليم وقمة العالم. لذلك ركز منذ البداية على كسب احترام شعوب القارة له كزعيم ولحكومته وبرنامجها الاجتماعى ولشعب البرازيل.. ويشهد له كخصم أن أوباما، زعيم الدولة الأعظم صاحبة عقيدة إجماع واشنطن المرفوضة برازيليا، كان يناديه فى حضوره، ويطلق عليه فى غيابه، «الرجل»، لما يحمله الرئيس لولا دا سيلفا ويعبر عنه فى تصرفاته من نبل الأخلاق وفروسية الرجال وبساطة القادة. هذا الرجل ترك لشعبه وشعوب أمريكا اللاتينية، وشعوبنا لو وجدت من يترجم سيرته وينقل لها أفكاره، ترك «اللولاوية» منهاجا للنمو فى ظل عدالة اجتماعية.

●●●

أما رجلنا فقد ترك لنا «المباركية». ترك حفنة من السياسات والممارسات والتجارب، تشكل فى مجملها تقليدا أو تنفيذا أعمى لعقيدة «إجماع واشنطن»، ونموذجا لنهاية حتمية لطبقات حاكمة اقتربت من علامة انتهاء الصلاحية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved