نحن مجتمع طائفى.. ولكن

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 27 يوليه 2016 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

بكل أسف لم يعد الشعب المصرى نسيجا واحدا، كما نردد فى وسائل إعلامنا، بل أصبحنا مجتمعا طائفيا، ومن لا يرى ذلك أو يرفض الاعتراف به فهو كمن يدفن رأسه فى الرمال. وما نراه من حوادث طائفية هنا أو هناك، ليس إلا نتاجا طبيعيا لمجتمع تسلل إليه فيروس الطائفية على مدى سنوات دون أى محاولة حقيقية للتصدى لها.

فقد تسلل هذا الفيروس إلى روح المجتمع المصرى على مدى عقود مضت دون أن ينتبه إليه أحد، فلم نتوقف عند التحولات الواضحة فى اختيار المصريين لأسماء أبنائهم التى أصبحت تدل بفجاجة على الانتماء الدينى لهم. ففى حين انتشرت اسماء «خديجة وحفصة وحذيفة ومصعب وآمنة» بين المسلمين، انتشرت اسماء «كيرلس وبيشوى ودميانة» بين المسيحيين، بعد أن كانت غالبية أسماء المصريين لا تدل على الهوية الدينية لهم.

ولم ينتبه أحد إلى ظهور «المدارس الإسلامية» فى مواجهة «مدارس الراهبات» التى كانت ومازالت تقدم خدمة تعليمية متميزة للغاية، فأصبح لدينا «المدارس الإسلامية» التى تخلو من التلاميذ المسيحيين، ومدارس الراهبات التى بات التلاميذ المسيحيون يمثلون فيها نسبة تتجاوز كثيرا نسبتهم الطبيعية فى المجتمع.

ولم ينتبه أحد إلى أنه ما إن تسمح الدولة ببناء كنيسة فى أى مكان حتى يندفع «المسلمون الأتقياء» لإقامة مسجد لا يقل عنها مساحة ولا ضخامة إلى جوارها، فى تنافس أبعد ما يكون عن مبادئ الدين الصحيح.

ومع تراجع دور الدولة فى تقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين وتنامى دور المؤسسات التابعة للمسجد والكنيسة فى هذا المجال سواء كان ذلك فى صورة مستوصفات طبية أو جمعيات خيرية، تزايدت حدة التباعد بين عنصرى الأمة، فأصبحت الكنيسة هى قبلة المواطن المسيحى لا لكى يؤدى فيها طقوس العبادة وإنما لكى يعيش فيها حياته فهى التى تنظم له الرحلات الترفيهية وتقدم له الخدمة العلاجية ودروس التقوية والمساعدات المالية، وأصبح المسجد وما يلتحق به من مستوصف وجمعية خيرية ومركز تعليمى هو المجال الحيوى لبسطاء المسلمين.

ورغم ذلك ولحسن الحظ فإن نفق الطائفية فى مصر مازال قصيرا للغاية والضوء فى نهايته قوى جدا، فلا المسلمون يحملون أى مشاعر معادية للمسيحيين، ولا المسيحيون يشعرون بضغينة تجاه المسلمين، بل إن الذكريات المشتركة والعلاقات الوثيقة مازالت حاضرة بقوة فى وعى الجميع، كما أن المسلمين والمسيحيين يعيشون متجاورين فى كل شارع وقرية ومدينة، فلا توجد فى مصر تجمعات طائفية ولا تكتلات عرقية، وما نراه هو حالة من «شبه الانعزال الطوعى» فرضه فشل الدولة فى القيام بواجباتها وفرضته ثقافات وافدة علينا من الخارج.

أخيرا، فالاعتراف بوجود المشكلة هو نصف الحل، وما نراه من إصرار على إنكار وجودها لن يؤدى إلا إلى زيادة حدتها. لذلك علينا وضع استراتيجيات وخطط عملية وبرامج واقعية يشارك فى وضعها خبراء فى العلوم الاجتماعية والنفسية ورجال الدين والسياسة وربما رجال الأمن أيضا لترميم روح الوحدة الوطنية. وإلى جانب ذلك يجب أن تكون كلمة القانون هى العليا فى الفصل بين المواطنين لأن هذا هو أقصر الطرق لتعميق روح المواطنة فى مواجهة الروح الطائفية أو الانعزالية، فلا يجب التسامح مع أى تمييز بين المصريين على أساس الانتماء الطائفى ولا حتى الطبقى كما هو الحال الآن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved