الرئاسة الرابعة للرئيس الأسد ما بين التحديات والانفراج

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 27 يوليه 2021 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

أدى الرئيس بشار الأسد اليمين القانونية أمام البرلمان يوم 17 يوليو2021 ليبدأ فترة رئاسية رابعة مدتها 7 سنوات، بعد أن حصل على نسبة 95% من إجمالى أصوات الناخبين السوريين الذين أدلوا بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى مايو 2021 فى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والجاليات السورية فى الخارج فى الدول التى أمكن للسفارات السورية إجراء الانتخابات فيها. ولم تشارك فى هذه الانتخابات المناطق السورية خارج سيطرة الحكومة، ومنطقة الأكراد التى يسيطر عليها الحزب الديمقراطى الكردى السورى بالإدارة الذاتية والقوات السورية الديمقراطية (قسد) التابعة له. وقد كان أداء اليمين هذه المرة مناسبة احتفالية شارك فيها إلى جانب أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) نحو 600 مدعو بينهم زوجة الرئيس بشار، ووزراء، ورجال أعمال، وفنانون، ورجال دين، وإعلاميون.
وألقى الرئيس الأسد، بعد أدائه اليمين، كلمة مطولة استغرقت أكثر من ساعة، وكانت نبرة وروح الانتصار واضحة عليه خلالها، وأوضح فيها أن نتائج الانتخابات أثبتت قوة الشرعية الشعبية التى يمنحها الشعب للدولة، وأنها سفهت ما قاله المسئولون الغربيون حول شرعية الدولة والدستور والوطن (كان الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وتركيا ودول أخرى قد اعتبروا أن الانتخابات الرئاسية السورية غير شرعية لأنها لا تشمل كل السوريين النازحين والمهاجرين وفى المناطق خارج سيطرة النظام، ورفضوا نتائجها حتى قبل إجرائها). وأشار الرئيس الأسد إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية طغت الهواجس الأمنية والخوف على وحدة الوطن، أما اليوم فإن معظم هذه الهواجس أصبحت تدور حول تحرير ما تبقى من الأرض، ومواجهة التداعيات الاقتصادية والمعيشية للحرب. ودعا الأسد كل من راهن على سقوط الوطن وانهيار الدولة، إلى أن يعود إلى حضن الوطن، ويرى أن هؤلاء مستغلون من قبل أعداء الوطن، وأن الثورة التى خدعوهم بها ما هى إلا وهم. وجدد عزمه على استعادة المناطق الخارجة عن سلطة الحكومة وتحريرها من الإرهابيين ومن رعاتهم الأتراك والأمريكيين. واعتبر الأسد أن العائق الأكبر حاليا هو الأموال السورية المجمدة فى المصارف اللبنانية، مقدرا قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية، كما أن الحصار سبب العديد من الاختناقات والصعوبات، وهو يشير إلى العقوبات الاقتصادية الدولية والأمريكية التى تثقل كاهل النظام السورى منذ اندلاع الأزمة السورية.
وجدير بالذكر أن كثيرا من رجال الأعمال والمال السوريين يضعون أموالهم فى المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية، كما أن الأوضاع الاقتصادية والمالية فى لبنان ترتبط بدرجة كبيرة بالاقتصاد السورى وتعتبر أحد المنافذ التجارية السورية، لذا فقد كان للأزمة الاقتصادية والمالية اللبنانية آثار سلبية للغاية على الاقتصاد السورى الذى استنزفته الحرب والعقوبات.
•••
ويلاحظ تركيز الرئيس الأسد على أن هدف المرحلة القادمة تحرير ما تبقى من الأراضى خارج سيطرة الحكومة، وهو ما يعنى فى مضمونه أنه إذا لم يحقق المسار السياسى نتائج إيجابية تتفق مع رؤية الحكومة السورية، فإنها ستمضى على مسار الحل العسكرى، على الرغم من أن كل القوى الإقليمية والدولية تؤكد حتى الآن أنه لا حل عسكريا للأزمة السورية، ولكن ما يشجع الرئيس الأسد أنه استطاع بمساعدة كل من روسيا وإيران وميليشيات حزب الله اللبنانى أن يسترد السيطرة على نحو ثلثى الأراضى السورية حتى الآن، كما أنه يعتمد على أنه مهما اختلفت بعض المواقف بينه وكل من طهران وموسكو بشأن المسار العسكرى إلا أنهما لن يتخليا عنه لأن فى ذلك خسارة لهما بعد دعمه كل هذه السنوات. ولكن يبقى فى نهاية الأمر العامل المعطل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها والوجود الرمزى للقوات الأمريكية فى شمال شرقى سوريا فى مناطق البترول والغاز، وأنه إذا حدث تفاهم روسى أمريكى فقد يساعد بدرجة كبيرة على حلحلة الحل السياسى للأزمة السورية.
والحقيقة أن موقف الرئيس الأسد لا يأتى من فراغ وإنما يستند إلى ما يحدث من تطورات إقليمية ودولية، وثمة عدة مؤشرات على ذلك، منها ما حدث فى اجتماع روما فى 28 يونيو 2021 والذى شارك فيه مجموعة الدول السبع الصناعية وعدة دول عربية وإقليمية وأوروبية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، ولم تشارك إيران وروسيا، وكان لبحث الأوضاع فى سوريا وسبل تقديم المساعدات الإنسانية والتطورات على المسار السياسى بشأن الأزمة السورية. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت قبل الاجتماع بأيام أنها لا تؤيد إعادة دول علاقاتها مع دمشق وإلا فإنها سيطبق عليها قانون قيصر الأمريكى للعقوبات على سوريا. كما حاولت ومعها بعض الدول أن يتضمن البيان الصادر عن اجتماع روما ربط المساهمة فى عملية إعادة الإعمار فى سوريا بمدى ما يحدث من تقدم على المسار السياسى، ولكن موقف الدول العربية المشاركة التى نوهت بأهمية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والمحافظة على هويتها العربية، ورفض هذه الدول ومعها دول أخرى الربط بين المساهمة فى إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية وما يتم إحرازه من تقدم على المسار السياسى، وصدر البيان خلوا من هذا الشرط كما أنه لم يتضمن إشارة إلى ما كان متبعا من قبل عن تغيير النظام السورى، وإنما الدعوة إلى أن يغير النظام السورى سلوكه ويتجاوب مع عملية الحل السياسى.
•••
كما حدث تطور ملحوظ فى اجتماع مجلس الأمن للأمم المتحدة فى 9 يوليو2021، حيث كانت روسيا تعارض قبل عقد الاجتماع صدور قرار مقترح بتمديد السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر باب الهوى على الحدود مع تركيا لمدة عام أى حتى يوليو 2022، وكانت متمسكة بأن يكون التمديد ستة أشهر فقط، ولكن حدث توافق روسى أمريكى وصدر القرار بالإجماع بالتمديد فعلا لمدة عام، وهو ما أعطى أملا فى أن يكون ذلك بداية لتوافق روسى أمريكى على مستوى السعى للتوصل لتسوية سياسية ناجزة للأزمة السورية.
ويعمل المبعوث الأممى إلى سوريا جير بيدرسون على ضوء ما يحدث من تطورات على أرض الواقع فى سوريا سواء من حيث تزايد سيطرة النظام على أراضٍ سورية جديدة، أو استمرارية الرئيس بشار الأسد وما انتاب المعارضة السورية من ضعف وفرقة، أو سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة سواء فى أفغانستان أو فى التفاوض لسحب قواتها المقاتلة من العراق، وللعودة إلى الاتفاق النووى مع إيران، يعمل جاهدا على تقديم مقترحات جديدة قد تحدث اختراقا فى مفاوضات التسوية السياسية للأزمة السورية، وقد عرضها فى اجتماع مغلق عبر الاتصال المرئى من جنيف على مجلس الأمن الذى عقد يوم 19 يوليو 2021، وتدور مقترحات بيدرسون حول إجراء حوار دولى حول الحل السياسى فى سوريا لمناقشة القيام بخطوات ملموسة ينبغى أن تكون متبادلة وتتسم بالواقعية والدقة، وتنفذ بصورة متزامنة ويمكن التحقق منها. ويرى بيدرسون بعض المؤشرات التى تدعم مبادرته، منها استمرار حالة الثبات على خطوط التماس فى سوريا لأكثر من عام، وحالة الانهيار الاقتصادى والضغوط المعيشية فى سوريا، واقتناع الأطراف الضالعة فى الأزمة السورية بعدم إمكانية تحقيق نصر عسكرى حلا للصراع سواء من جانب السلطة السورية أو روسيا وإيران، أو الولايات المتحدة وحلفائها. ومن ثم يتعين وقف التصعيد وتحقيق وقف إطلاق نار على كامل الأراضى السورية، مع استمرار عمليات مكافحة الإرهاب، واتخاذ إجراءات بخصوص المحتجزين والمختطفين والمفقودين، وتخفيض تداعيات الأزمة الإنسانية، وفتح المجال أمام عودة آمنة وطوعية وبكرامة للاجئين واللاجئات.
ولكن أفكار المبعوث الأممى بيدرسون لم تلق ترحيبا لدى روسيا والتى أعربت على لسان وزير خارجيتها سيرجى لافروف على ضرورة وأهمية العمل وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الخاص بتسوية الأزمة السورية والاهتمام بالأوضاع الاقتصادية وإعادة الإعمار وحل مشكلات اللاجئين السوريين وعودتهم، وتفعيل عمل اللجنة الدستورية السورية انطلاقا من أن الشعب السورى هو الذى يتولى تسوية أزمته بمساعدة دولية وإقليمية.
بينما تركز إدارة الرئيس الأمريكى بايدن على استمرار تقديم المساعدات عبر الحدود السورية إلى النازحين والمحاصرين على الأراضى السورية، بما يبدو أحيانا وكأن لب الأزمة السورية هو تقديم المساعدات الإنسانية وليس التسوية السياسية الشاملة، كما تبدى الإدارة اهتماما بالقضاء على داعش، وتحقيق وقف شامل لإطلاق النار على كل الأراضى السورية، وذلك على أمل توفير أرضية لإطلاق عملية سلام لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن الأزمة السورية.
كما جاء اهتمام الصين واضحا فى الزيارة التى قام بها وزير الخارجية الصينى لدمشق فى 17 يوليو2021، وهو نفس يوم أداء الرئيس الأسد اليمين القانونية، والتقى الوزير الصينى بنظيره السورى والرئيس الأسد، وأكد على احترام سيادة ووحدة أراضى سوريا، واحترام اختيارات الشعب السورى، والتخلى عن وهم تغيير النظام، والسماح للشعب السورى أن يقرر مستقبله، وتسريع عملية إعادة الإعمار، والرفع الفورى لكل العقوبات أحادية الجانب ووقف الحصار الاقتصادى المفروض على سوريا. وقد وقع الوزير الصينى عدة مذكرات تفاهم بشأن عملية إعادة الإعمار فى سوريا. وواضح أن الصين تسعى لتوسيع وتقوية دورها فى سوريا على ضوء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان ومفاوضات انسحابها من العراق، ومفاوضات عودة واشنطن للملف النووى مع إيران وما يمثله ذلك من متغيرات متوقعة فى المرحلة القادمة تريد الصين أن تكون حاضرة فيها بأقصى ما تستطيع، خاصة فى مجال إعادة الإعمار والتعاون الاقتصادى مع سوريا بما لدى الصين من إمكانيات كبيرة فى هذه المجالات، خاصة وأن الصين كانت تشارك روسيا فى الاعتراض بالفيتو على عدة قرارات ترى أنها كانت متحيزة ضد النظام السورى. ولكن الإعلام الروسى أبدى ما يشبه التقليل من تأثير زيارة وزير الخارجية الصينى واعتبرها زيارة ضمن جولته فى المنطقة، وهو ما يشير إلى تحسب روسيا من منافسة صينية فى مراحل إعادة الإعمار فى سوريا.
•••
إن سوريا مقبلة على مرحلة جديدة رغم كل ما يكتنفها من صعوبات اقتصادية ومالية وتعقيدات سياسية إقليمية ودولية، إلا أن متغيرات السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط ورغبتها فى استبدال القوة العسكرية بالقوة الاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة بما فيها إيران، لا شك سيكون له تأثير ملموس على مسار الحل السياسى للأزمة السورية فى إطار التوافق على صفقات معينة فى عدة مناطق بين واشنطن وموسكو.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved