نتنياهو ليس تشرشل بل أسوأ رئيس حكومة فى تاريخ إسرائيل
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
السبت 27 يوليه 2024 - 6:45 م
بتوقيت القاهرة
رئيس مجلس الأمن القومى تساحى هنجبى قال فى مقابلة أجراها قبل أسبوعين: «إن التاريخ سيسجل أن نتنياهو هو الشخص الذى نجح فى تعزيز قوة إسرائيل». وحتى الآن، يبدو كلام هنجبى غريبًا فارغًا، لا أساس له، ولا منطق.
ليس هناك شك فى أن التاريخ سيكتب فى العقود المقبلة أنه أسوأ رئيس للحكومة. سيظل نتنياهو يحمل وصمة 7 أكتوبر، وكذلك زجاجات الشامبانيا [التى حصل عليها نتنياهو كرشوة واتُّهم بالفساد]، إلى الأبد.
هل عزز نتنياهو قوة إسرائيل؟ إسرائيل اليوم ضعيفة، وتبدو فى نظر أعدائها ضعيفة، على الرغم من مخزونها من القنابل فى الأقبية، وعلى الرغم من كتائبها المدرعة ووحداتها الخاصة. المسئول الأول عن ذلك هو رئيس الحكومة الذى يتولى منصبه منذ 15 عاما (مع توقُّف مدة سنة ونصف فى الفترة 2021-2022). منذ 9 أشهر، لم تنجح إسرائيل فى القضاء على تنظيم إرهابى مؤلف من 30 ألف مقاتل مزودين، فى الأساس، ببنادق وقذائف آر بى جى وصواريخ مضادة للدبابات، ضمن منطقة جغرافية صغيرة (مع وضع فى الحسبان تعقيد المعركة فى منطقة سكنية، وبمتاهة الأنفاق التى لم تجد إسرائيل حلًا فعالًا لها).
إسرائيل لا تتجرأ على ضرب حزب الله بجدية، وهى لا تتجرأ على ضرب إيران التى أطلقت مئات الصواريخ والمسيّرات عليها فى أبريل، وتعمل على إدامة الهجوم المتعدد الساحات على إسرائيل منذ تسعة أشهر.
• • •
يُكثر نتنياهو من ذِكر رئيس الحكومة البريطانى ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية، وهو يلتقط صورًا مع كتب تتحدث عنه. ويشبّه نفسه بهذه الشخصية البريطانية الكبيرة. لكن لا توجد مقارنة أكثر سخافة من هذه المقارنة. تشرشل كان رجلًا شجاعًا ومقدامًا، استطاع منذ البداية رؤية الخطر الذى يتربص ببلده، وفى نهاية الأمر، وحّد شعبه فى مواجهة الخطر النازى. مقارنة بتشرشل، فشل نتنياهو فى تشخيص التهديد الأمنى، على الرغم من التحذيرات المتتالية من رؤساء المنظومات الأمنية، وفى العامين الأخيرين، نجح فى تفكيك شعب إسرائيل من خلال محاولاته تقويض النظام الديمقراطى والاستخدامات المختلفة لمسار الحرب، وفشله فى حل مشكلة الأشخاص المخطوفين.
زعيم حقيقى، مثل تشرشل، يعرف كيف تُتخذ القرارات الكبيرة. فى المقابل، برع نتنياهو، منذ سنوات، فى التردد، ونجح ببراعة كبيرة فى تسويقه وسط مؤيديه الجهَلة على أنه ذكاء وحكمة. فى بداية حرب غزة، والتى أطلق عليها اسمًا غريبًا «السيوف الحديدية» (هذا الاسم سيُنسى بعد سنوات، مثله مثل اسم «سلامة الجليل»، الذى أطلقه مَن سبقه فى زعامة اليمين مناحِم بيجن على حرب لبنان الأولى).
حاليًا، يتهرب نتنياهو، منذ 9 أشهر، من حسم المواجهة مع حزب الله. طوال سنوات تولّيه رئاسة الحكومة، امتنع أكثر من مرة من الحسم فى مواجهة المشروع النووى الإيرانى، والذى أصبح الآن على وشك أن يتحقق. وعمومًا، خلال السنوات التى تولى فيها نتنياهو منصبه، امتنع من حسم مستقبل الضفة الغربية: هو لا يسير مع الضم، ولا مع الانفصال ضمن إطار سلام يعتمد على دولتين لشعبين.
كان تشرشل، خلال مسيرته المهنية الطويلة، شخصية موضع خلاف أحيانًا، وكوزير فى الحكومة البريطانية، اتخذ العديد من المبادرات التى أثارت المعارضة من اتجاهات متعددة، لكنه ظل شخصية تحظى بتأييد الجمهور العريض، وفى سنة 1940، وحّد الشعب حول قضية نبيلة.
فى المقابل، نجح نتنياهو فى التحريض والتقسيم طوال مسيرته المهنية الطويلة. لقد حرّض ضد الليبراليين، وضد يتسحاق رابين، وضد العلمانيين، وضد اليسار (الذين نسوا كيف يكونون يهودًا)، وفرّق بين السفارديم والأشكيناز. كل عمله كان التحريض والتفرقة. رئيس الحكومة السابق يتسحاق شامير، من الليكود، كان محقًا عندما وصف نتنياهو بـ«ملك التخريب». اليوم، هو يحرّض ضد زعماء المنظومات الأمنية، وضد عائلات الأشخاص المخطوفين؛ وقبل عام، حرّض ضد المنظومة القضائية وهيئات فرض القانون، كل هذا خدمة لمآربه الشخصية، أى الاستمرار فى الحكم والتملص من السجن.
• • •
مقارنة بتشرشل، فإن معرفة نتنياهو باللغة الإنجليزية هى فى مستوى خريج فى المرحلة المتوسطة من جامعة أمريكية جيدة، لا أكثر. هل صدرت عن نتنياهو عبارة يمكن أن تُسجّل فى تاريخ الشعب؟ (من أقوال تشرشل المأثورة قوله للشعب البريطانى: «ليس لدىّ ما أقدمه سوى الدم والنضال والدموع والعرق»).
فى الأشهر الأخيرة، رفض نتنياهو كل محاولة لتأليف لجنة تحقيق حكومية فى أحداث 7 أكتوبر. السبب الأساسى واضح، وهو التهرب من المسئولية، ومن المساءلة بشأن أفعاله وإخفاقاته. لكن الأمر له علاقة أيضًا بموضوع التسجيلات. لا شك فى أن أوامر نتنياهو التى طلب فيها وقف التسجيلات فى مقر هيئة الأركان العامة وأماكن أُخرى، كان الهدف منها عدم وصول هذه التسجيلات إلى لجنة التحقيق، إذا شُكلت. ومن هنا، فإن التقرير الذى سيصدر عن اللجنة هو الذى سيستند إليه المؤرخون فى المستقبل بشأن تقديرهم لأداء نتنياهو.
لكن فى غضون ذلك، لدينا اليوم صحف، وعدة قنوات إخبارية إلكترونية، تزودنا بسيل من المعلومات. وإذا أردنا أن نحكم وفق ما نشر، سيُدرج نتنياهو فى كتب التاريخ بصفته الرجل الذى أضعف إسرائيل. وفق ما نُشر، زوّد نتنياهو «حماس» بالمال (عن طريق قطر)، ومنح حزب الله وإيران الهدوء الذى احتاجا إليه لاستكمال قوتهما، ونجح فى تقليص القوات البرية فى الجيش الإسرائيلى، وضلل الأجهزة الاستخباراتية والجيش بشأن نيات «حماس» من خلال تطبيق نظرية «حماس مردوعة». فى الوقت عينه، عمل على إضعاف السلطة الفلسطينية وإذلالها، سعيًا لمنعها من التقدم نحو حل دولتين لشعبين.
يمكننا الافتراض أن نتنياهو وأتباعه سيزعمون، دفاعًا عن أنفسهم، أن كتابة التاريخ (مثل الصحف)، هى فى قبضة اليسار الليبرالى، وأن هناك عددًا قليلًا من المؤرخين من اليمين. لكن حتى المؤرخين من التوجهات اليمينية، سيجدون فى المستقبل أن نتنياهو هو المسئول والمتهم بإخفاقات السابع من أكتوبر، وبإضعاف إسرائيل وتقوية أعدائها.
بنى موريس
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية