القرضاوى والإخوان.. قراءة فى جدلية الشيخ والحركة (7)

حسام تمام
حسام تمام

آخر تحديث: السبت 27 أغسطس 2011 - 10:04 م بتوقيت القاهرة

 أكثر ما تميز به القرضاوى فى سياق صياغته لعلاقته مع الإخوان هو قدرته المذهلة على تحديد موقعه المناسب له فى الحركة، وتطوير هذا الموقع وفق تطوره الشخصى وبحيث يتناسب مشروعه الخاص مع مشروع الحركة العام.

مبكرا حدد القرضاوى موقعه فى الحركة واختار أن يكون عمله فيما يتصل بتخصصه ومجال اهتمامه ونبوغه، فعمل فى قسم نشر الدعوة الذى يتناسب واهتماماته وملكاته الذاتية، وحين التحق بقسم الاتصال بالعالم الإسلامى ظل عمله داخل القسم منصبا على نشر الدعوة خارج القطر المصرى ولم يكن عملا تنظيميا. بل إن القرضاوى لم يتردد دائما ومبكرا فى رفض العمل التنظيمى إلا ما يتصل منه بمشروعه الدعوى الشرعى لذلك فلم يرحب بتولى المهام التنظيمية، وكان أول موقع تنظيمى قبله هو مسئولية الإشراف على الأزهر الشريف.

ثم للرجل قدرة تثير الإعجاب على أن يحدد وبدقة متى يبدأ التنظيم والعمل التنظيمى، ومتى ينتهى فى حياته وأين يلتقى معه وأين يبتعد عنه، وهو قادر على استشعار التغيرات، التى تطرأ أو التى يجب أن تتم على علاقته بالتنظيم حضورا وغيابا قربا وبعدا.

لذا لم يتردد الرجل الذى بدأ حياته فى جماعة الإخوان، واعتقل بسببها مرتين أن يرفض منصب المرشد العام مرتين، إحداها وهو فى مقتبل حياته الدعوية وقبل أن يسطع نجمه. لقد رفض القرضاوى ــ حتى قبل أن يملأ الدنيا ويشغل الناس ــ منصب المرشد حين عرض عليه عام 1976 الذى كان قد خلا بعد وفاة المرشد الثانى القاضى حسن الهضيبى وبقت الجماعة مدة عامين من دون مرشد.

لقد أدرك القرضاوى مبكرا أن موقعه الصحيح لخدمة دعوته وفكرته ليس فى العمل التنظيمى بالجماعة حتى وإن فى قمة هرمه، منصب المرشد فكتب رسالته إلى الدكتور محمود أبوالسعود عضو الهيئة التأسيسية، الذى تولى عرض المنصب عليه قائلا: إنى أعتقد أن من مصلحة الدعوة التى أنتمى إليها، ومصلحة الإسلام عامة، الذى نذرت نفسى لخدمته: أن أظل مشتغلا بالعلم وبالبحث، لإتمام ما عندى من مشروعات علمية أراها مهمة ونافعة إن شاء الله. وقد أتيح لى الآن ــ من خلال موقعى ومعرفة الناس بى ــ أن أتصل بالجمعيات العلمية فى مؤتمرات عربية وإسلامية وعالمية شتى. ومن الخير أن يستمر هذا الاتصال بعد أن فرضت على العزلة مدة طويلة فى مكان قصى منعزل.

إن جماعتنا لم تخل ــ ولن تخلو إن شاء الله ــ من الكفايات القادرة على قيادة السفينة بقوة وأمانة، ولن تعدموا (القوى الأمين) أو (الحفيظ العليم) فى صفوف الحركة، بعون الله )

ثم عاد وجدد الرفض مرة ثانية عام بعد وفاة المرشد الخامس مصطفى مشهور حين عرض عليه المأمون الهضيبى التنازل عن المنصب له إذا ما قبل قيادة الجماعة، واعتبر القرضاوى وقتها أنه قد صار ملكا للأمة كلها بما يمنعه من أن يحصر نفسه فى جماعة أو تنظيم ولو كان بحجم وانتشار وتأثير الإخوان المسلمين، ولم يكن القرضاوى يقارب الأمر من منطق برجماتى بقدر ما كان يقدر بدقة موقعه المفترض من الجماعة ويستشعر التغيرات التى تطرأ عليه وتلزمه. وقد استطاع القرضاوى الانتقال فى علاقته بالتنظيم من موقع التبعية أو الانضباط التنظيمى إلى لعب دور الإلكترونى الحر، الذى ينتمى إلى الحركة ولكن دون أن يقع أسير منطقها التنظيمى، لذا فقد ظل الجميع يعرفون القرضاوى كواحد من جماعة الإخوان دون أن يسألوا عن موقعه التنظيمى أو وضعيته قبولا ورفضا من قيادة التنظيم، ومع الزمن صار مثل هذا التساؤل يقابل بسخرية إما لأن الإجابة عنه تبدو بدهية أو لأنه صعبة، لذلك تحول القرضاوى إلى مرشد لأبناء الجماعة وجمهورها دون سؤال منهم عن موقعه التنظيمى داخلها.

كما امتلك القرضاوى كذلك القدرة على تجاوز الإطار التنظيمى وعقباته ولكن دون الوقوع فى مأزق الاضطرار للخروج عليه ومن ثم الاصطدام به، فهو استطاع إنجاز انتقال هادئ من المركز إلى التخوم ومن التخوم إلى خارج التنظيم بتدرج ودون صدام، لذلك لم يعرف عنه خروج تنظيمى رغم أنه حدث، ولم يتطرق جمهور الإخوان إلى السؤال عن علاقته بالتنظيم رغم أنه خارج التنظيم فعلا، بل وربما اكتشف الإخوان ــ فيما بعد ــ أنه من الأفضل عدم إثارة هذا السؤال الذى يسىء لمن يطرحه ولن يترتب عليه أى فعل أو موقف من الرجل إيجابا ولا سلبا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved