حضرة السيد الموقر

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 27 أغسطس 2011 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

 «الرئيس، زوجته، وأنا» هو عنوان مسرحية كوميدية تعرض للموسم الثانى على التوالى بالعاصمة الفرنسية باريس، وقد تصادفت مشاهدتى لها فى وقت كثر فيه الكلام حول المحاكمات العسكرية للمدنيين بمصر، ورب صدفة خير من ألف ميعاد.. فتكرار كلمة «الموقر» هنا لوصف المجلس العسكرى والتعرض «للخط الأحمر الذى لا يتجاوزه إلا كل خائن للبلاد» قد ارتبط فى ذهنى برؤية هذا العمل المسرحى الساخر الذى يتناول بشكل لاذع وصريح شخصية الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى وزوجته كارلا برونى، دون سقف للتهكم وإثارة الضحك.

يلعب دور ساركوزى فنان مُقلد بارع (ميشيل جيدونى) ويستدعى حركات الرئيس الكاريكاتورية ولزماته، مستثمرا التشابه اللافت بينهما. يتعرض لتركيبة الحاكم الذى يرغب بقوة فى التواجد بكل مكان وزمان مهما كانت النتيجة، فهو يريد مقابلة الدلاى لاما وحضور مباراة الفريق الوطنى لكرة القدم والتوجه لمواساة المواطنين ضحايا ظرف معين وحضور الاحتفال الذى نظمته حبيبته بذكرى زواجهما.. باختصار رئيس يرغب فى أن يشاهده الناس فى كل مكان، دون أن يكون حاضرا ومؤثرا بالفعل فى أى من هذه المواقع، لذا يقترح عليه معاونوه أن يلجأ لشبيه (بائع نكرة) يحل محله أحيانا حينما يقتضى الأمر ذلك، إلا أن زوجة الرئيس تكتشف اللعبة وتسخر من الجميع.

تصوير الحاكم على أنه شخص «متسرع أو أهوج» وتصوير زوجته على نمط «باربى» التى تهتم أكثر ما تهتم بالتسوق والجيتار لم يقم الدنيا ولم يقعدها، ولم يسفر عن أى محاكمات أو سجالات، رغم أن فرنسا تعتبر من الدول الأوروبية المحافظة إلى حد بعيد فيما يتعلق بهيبة الساسة والشخصيات العامة، فهناك حرص شديد على رونق الدولة ورفعتها، وهو ما يستنفر المبدعين أحيانا لإثارة الضحك حتى وإن ضاقت به الصدور. وحينما غضب ساركوزى نفسه من انتشار عروسة صغيرة على شاكلته بالأسواق عام 2008، كانت تستخدم لغرز إبر الحياكة بها، توجه للقضاء.. ورأت المحكمة بالفعل أن فى ذلك إساءة له بسبب عملية غرز الإبر فى الدمية إلا أنها لم تجد فى الأمر ما يستدعى منع التداول، واكتفت بمطالبة الشركة المنتجة بدفع يورو واحد على سبيل التعويض لساركوزى مع إلزام الشركة بوضع قرار إدانة المحكمة على العبوة.

ففى كثير من الأحيان خاصة عندما يكون المجتمع مجهدا نفسيا يصبح التهكم والضحك هما خير دواء، بل كل ما تبقى لأناس منهكين يشعرون بأنهم على بعد أميال من حكامهم المشغولين بوقارهم وهيبتهم، بينما يريد هؤلاء أن يكونوا هم أيضا من يقررون حدود السخرية والمسموح به.. والسلطة هى غالبا من يحدد ما لا يمكن تجاوزه بالنسبة لحرية التعبير، فهل هذا دورها؟ هل يجب أن تكون السلطة فى بلد يصبو إلى الديمقراطية أو يدعيها هى من تضع ضوابط السخرية وحرية التعبير؟ مجرد أسئلة يطرحها عرض مسرحى كوميدى كما تطرحها مرحلة التدريب الديمقراطى الحالية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved